جاء في عقبها ملائكة النهار ، وإذا صعدت ملائكة النّهار ، جاء في عقبها ملائكة الليل ، لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار يجتمعون عند صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم ؛ فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم ، وهم يصلّون ، وأتيناهم ، وهم يصلّون»(١).
وقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) يعني من قدام ، هذا استخفى باللّيل والسّارب بالنّهار ، ومن وراء ظهره يحفظونه من أمر الله يعني بإذن الله ما لم يجىء القدر ، فإذا جاء القدر خلوا عنه.
وقيل : يحفظونه ممّا أمر الله به من الحفظ عنه.
قال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس ، والهوام (٢).
وقيل : المراد بالآية الملكين القاعدين على اليمين ، وعلى الشمال يكتبان الحسنات والسيئات «يحفظونه» أي يحفظون عليه ، «من أمر الله» يعني الحسنات والسيئات قال الله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨].
وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآية في عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة ، وكانت قصّتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : أقبل عامر بن الطّفيل ، وأربد بن ربيعة ، وهما عامريان يريدان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد ، فاستشرف الناس لجمال عامر ، وكان أعور ، وكان من أجمل النّاس ، فقال رجل : يا رسول الله هذا عامر بن الطّفيل قد أقبل نحوك فقال : دعه ؛ فإن يرد الله به خيرا يهده ، فأقبل حتى قام عليه ، فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : لك ما للمسلمين ، وعليك ما على المسلمين ، قال : تجعل لي الأمر بعدك ؛ قال : ليس ذلك إليّ ، إنما ذلك إلى الله ـ عزوجل ـ يجعله حيث يشاء ، فقال : تجعلني على الوبر وأنت على المدر ، قال : لا ، قال : فما تجعل لي؟ قال : أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها قال : أو ليس ذلك لي اليوم ، قم معي أكلمك ، فقام معه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة : إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه ، فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويراجعه ، فدار أربد من خلف النبي ليضربه ، فاخترط من سيفه شبرا ، ثمّ حبسه الله ـ عزوجل ـ عنده ، فلم يقدر على سلّه ،
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٣٣) كتاب مواقيت الصلاة : باب فضل صلاة العصر (٥٥٥) ومسلم (١ / ٤٣٩) كتاب المساجد : باب فضل صلاة الصبح والعصر (٢١٠ / ٦٣٢) ومالك في الموطأ ١ / ١٧٠ ، كتاب قصر الصلاة في السفر : باب جامع الصلاة (٨٢).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٩).