الفاعل ، يعني أنّ فاعل «الإرادة» وهو الله ـ تعالى ـ غير فاعل الخوف ، والطمع ، وهو ضمير المخاطبين ، فاختلف فاعل الفعل المعلل ، وفاعل العلة وهذا يمكن أن يجاب عنه : بأنّ المفعول في قوّة الفاعل ، فإن معنى «يريكم» يجعلكم رائين ، فتخافون ، وتطمعون. ومثله في المعنى قول النابغة الذبياني : [الطويل]
٣١٧١ ـ وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع |
|
تخال به راعي الحمولة طائرا |
حذارا على ألّا تنال مقادتي |
|
ولا نسوتي حتّى يمتن حرائرا (١) |
ف «حذارا» مفعول من أجله ، فاعله هو المتكلم ، والفعل المعلل الذي هو : «حلّت» فاعله «بيوتي» فقد اختلف الفاعل ، قالوا : لكن لما كان التقدير : وأحللت بيوتي حذارا صحّ ذلك. وقد جوّز الزمخشريّ (٢) ذلك أيضا على حذف مضاف فقال : «إلّا على تقدير حذف مضاف ، أي : إرادة خوف ، وطمع ، وجوّزه أيضا على أن بعض المصادر ناب عن بعض. يعني أن الأصل : يريكم البرق إخافة ، وإطماعا».
فإنّ المرئي ، والمخيف ، والمطمع هو الله ـ تعالى ـ فناب خوف عن إخافة ، وطمع عن إطماع ، نحو : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] على أنه قد ذهب ابن خروف ، وجماعة على أنّ اتحاد الفعل ليس بشرط.
فصل
في كون البرق خوفا وطمعا وجوه :
قيل : يخاف منه نزول الصّواعق ، وطمع في نزول الغيث. وقيل : يخاف المطر من يتضرر به كالمسافر ، ومن في جرابه التمر والزبيب ، والحب ، ويطمع فيه من له فيه نفع.
وقيل : يخاف منه في غير مكانه ، وأمانه ، ويطمع فيه إذا كان في مكانه وأمانه ، ومن البلدان إذا مطروا ، قحطوا ، وإذا لم يمطروا خصبوا.
قال ابن الخطيب (٣) : «البرق جسم مركب من أجزاء رطبة مائية ، ومن أجزاء هوائية ولا شك أنّ الغالب عليه الأجزاء المائية ، والماء جسم بارد رطب ، والنّار جسم حار يابس فظهور الضدّ من الضد التام على خلاف العقل ، فلا بد من صانع مختار يظهر الضدّ من الضدّ».
ثم قال : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) بالمطر ، ويقال : أنشأ الله السحابة ، فنشأت ، أي : أبدأها فبدأت.
قال الزمخشري (٤) : «السّحاب : اسم جنس الواحدة سحابة ، والثقال : جمع ثقيلة ؛
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥١٨.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٢٠.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥١٨.