وعند هذا قال ابن الأنباري : لا يبعد أن يخلق ـ تعالى ـ للظلال عقولا ، وأفهاما تسجد بها ، وتخشع كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيح الله وظهر اسم التجلي فيها ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣].
قال القشيري ـ رحمهالله ـ : «وفي هذا نظر ؛ لأن الجبل عين ، فيمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة ، وأمّا الظلال ، فآثار وأعراض ، ولا يتصور تقدير الحياة لها».
وقيل : المراد من سجود الظلال [ميلانها](١) من جانب إلى جانب ، وطولها بسبب انحطاط الشمس ، وقصرها بسبب ارتفاع الشمس ، وهي منقادة [مستسلمة](٢) في طولها ، وقصرها وميلها من جانب إلى جانب ، وإنّما خص الغدو ، والآصال بالذّكر ؛ لأنّ الظلال إنما تعظم ، وتكثر في هذين الوقتين».
و «الآصال» جمع الأصل ، والأصل : جمع الأصيل ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس.
وقيل : «ظلالهم» ، أي : أشخاصهم بالغدو ، والآصال بالبكر والعشايا.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ)(١٨)
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية لما بيّن أنّ كلّ من في السّموات ، والأرض ساجد لله بمعنى كونه خاضعا له ، عدل إلى الرّد على عبدة الأصنام فقال : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) ولمّا كان هذا الجواب يقرّ به المسئول ويعترف به ، ولا ينكره ، أمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يكون هو الذاكر لهذا الجواب تنبيها على أنهم لا ينكرونه ألبتّة.
قال القشيري : «ولا يبعد أن تكون الآية واردة فيمن لا يعترف بالصانع ، أي : سلهم عن خالق السموات والأرض ؛ فإنه يسهل تقرير الحجة عليهم ويقرب الأمر من الضرورة ،
__________________
(١) في أ : هيلها.
(٢) في أ : مسلسلة.