٣١٧٥ ـ هل ما علمت وما استودعت مكتوم |
|
أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم |
أم هل كثير بكى لم يقض عبرته |
|
إثر الأحبّة يوم البين مشكوم (١) |
فصل
قوله : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) كذلك لا يستوي المؤمن ، والكافر : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي كما لا تستوي الظلمات والنور ، لا يستوي الكفر ، والإيمان.
قوله (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) الجملة من قوله : «خلقوا» صفة ل : «شركاء» (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) ، أي : اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله ـ عزوجل ـ فلا يدرون ما خلق الله ، وما خلق آلهتهم.
والمعنى : أنّ هذه الأشياء الّتي زعموا أنها شركاء لله ليس لها خلق يشبه خلق الله حتّى يقولوأ : إنها تشارك الله في الخالقيّة ؛ فوجب أن تشاركه في الإلهيّة بل هؤلاء المشركون يعلمون بالضرورة أنّ هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ، ولا خلق ، ولا أثر ألبتة ، وإذا كان كذلك كان حكمهم بكونها شركاء لله في الإلهيّة محض السّفه ، والجهل.
فصل
قال ابن الخطيب (٢) : «زعمت المعتزلة أنّ العبد يخلق حركات ، وسكنات مثل الحركات ، والسكنات التي يخلقها الله ، وعلى هذا التقدير : فقد (جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) والله ـ تعالى ـ إنّما ذكر هذه الآية في معرض الذّم ، والإنكار ؛ فدلت على أنّ العبد لا يخلق أفعال نفسه».
قال القاضي (٣) : «نحن وإن قلنا : إنّ العبد يخلق إلّا أنّا لا نطلق القول بأنه يخلق كخلق الله ؛ لأن أحدا ما يفعل كقدرة الله ، وإنما يفعل لجلب منفعة ، ودفع مضرة ، والله ـ تعالى ـ منزه عن ذلك ؛ فثبت أنّ بتقدير كون العبد خالقا إلا أنّه لا يكون خلقه كخلق الله ، وأيضا : فهذا الإلزام للمجبرة أيضا ؛ لأنّهم يقولون عين ما هو خلق الله ـ تعالى ـ فهو كسب للعبد ، وفعل له ، وهذا عين الشرك ؛ لأنّ الإله ، والعبد في ذلك الكسب كالشريكين اللذين لا مال لأحدهما إلا وللآخر فيه أيضا نصيب ، وهو أنه ـ تعالى ـ إنّما ذكر هذا الكلام عيبا للكفّار أن يقولوا : إنّ الله ـ تعالى ـ خلق هذا الكفر فينا ؛ فلم يذمنا ، ولم
__________________
(١) البيتان لعلقمة الفحل ينظر : ديوانه (١٧) والكتاب ٣ / ١٧٨ والهمع ٢ / ٢٣٣ وابن الشجري ٢ / ٣٣٤ والخزانة ١١ / ٢٨٦ والدرر ٢ / ١٧٧ وابن يعيش ٤ / ١٨ وروح المعاني ١٣ / ١٢٨ والمحتسب ٢ / ٢١٩ والمقتضب ٣ / ٢٩٠ والعمدة لابن رشيق ١ / ١٠٤ والبحر المحيط ٥ / ٣٧١ والمفضليات ٢٩٧ وأصول النحو ٢ / ٥٩ ، الأشباه والنظائر ٧ / ٤٩ ، اللمع (١٨٢) ، المقاصد النحوية ٤ / ٥٧٦ ، الاشتقاق ١٤٠ ، جواهر الأدب ، ١٨٩ ، رصف المباني ص ٩٤ ، الدر المصون ٤ / ٢٣٧.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٢٦.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٢٦.