ينسبنا للجهل ، والتقصير ، مع أنه حصل فينا بغير فعلنا ، ولا باختيارنا».
والجواب عن الأول : هو أنّ لفظ الخلق عبارة عن الإخراج من العدم إلى الوجود ، أو عبارة عن التقديرين ، وعلى الوجهين : فبتقدير أن يكون العبد محدثا ، فإنه لا بد أن يكون حادثا ، أما قوله : والعبد وإن كان خالقا إلّا أنه ليس خلقه كخلق الله ـ تعالى ـ.
قلنا : الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين والإخراج من العدم إلى الوجود ، ومعلوم أنّ الحركة الواقعة بقدرة العبد لما كانت مثلا للحركة الواقعة بقدرة الله ـ تعالى ـ كان أحد المخلوقين مثلا للمخلوق الثاني ، وحينئذ يصحّ أن يقال : إنّ هذا الذي هو مخلوق للعبد مثل لما هو مخلوق لله ـ تعالى ـ ، ولا شك في حصول المخالفة في سائر الاعتبارات ، إلّا أنّ حصول المخالفة في سائر الوجوه لا يقدح في المماثلة من هذا الوجه ، وهذا القدر يكفي في الاستدلال.
وأما قوله : «هذا لازم على المجبرة حيث قالوا : إنّ فعل العبد مخلوق لله ـ تعالى ـ».
فنقول : هذا غير لازم ؛ لأنّ هذه الآية [دالة](١) على أنّه لا يجوز أن يكون العبد مثلا كخلق الله ـ تعالى ـ ونحن لا نثبت للعبد خلقا ألبتّة ، فكيف يلزمنا ذلك؟.
وأما قوله : «لو كان فعل العبد خلقا لله لما حسن ذمّ الكفّار على هذا المذهب».
قلنا : حاصله يرجع إلى أنّه لما حصل الوجود ، وجب أن يكون العبد مستقلا بالفعل وهو منقوض ؛ لأنّه ـ تعالى ـ ذمّ أبا لهب على كفره مع أنّه علم منه أنّه يموت على الكفر ، وخلاف المعلوم محال الوقوع.
قوله : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) وهذا يدلّ على أنّ فعل العبد مخلوق لله ـ تعالى ـ ؛ لأنّ فعل العبد شيء ، فوجب أن يكون خالقه هو الله ـ تعالى ـ وأيضا : فقوله : (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) لا يقال فيه : إنه تعالى واحد في أي المعاني ، بل الواحد في الخالقية ؛ لأن المذكور السابق هو الخالقية ، فوجب أن يكون المراد هو الواحد في الخالقية ، القهار لكل ما سواه.
فصل
زعم جهم أن الله ـ تعالى ـ لا يقع عليه اسم الشيء.
قال ابن الخطيب (٢) : «وهذا الخلاف ليس إلا في اللفظ ، وهو أن اسم الشيء هل يقع عليه أم لا؟ فزعم قوم أنه لا يقع ، وجوّزه قوم».
واحتج المانعون : بأنه لو كان شيئا لوجب أن يكون خالقا لنفسه ، لقوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢] وذلك محال ؛ فثبت أنه لا يقع عليه اسم الشيء ، ولا يقال : إنّ هذا عام دخله التخصيص ؛ لأنّ العام المخصوص إنّما يحسن إذا كان
__________________
(١) في أ : تدل.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٢٧.