وقيل : هذا مثل القرآن : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو القرآن ، والأودية : قلوب العباد ، يريد : ينزل القرآن ، فيحتمل منه القلوب على قدر اليقين ، والعقل والشك وكما أنّ الماء يعلوه زبد ، والأجساد يخالطها خبث ، ثمّ إنّ ذلك الزبد ، والخبث يذهب ، ويضيع ، ويبقى جوهر الماء ، وجوهر الأجساد السبعة ، كذلك ههنا بيانات القرآن يختلط بها شكوك وشبهات ، ثمّ إنها تزول بالآخرة وتضيع ويبقى العلم والدين والحكمة في العاقبة كذلك ههنا.
قوله : «أودية» جمع واد ، وجمع فاعل على أفعلة ، قال أبو البقاء (١) : «شاذّ ، ولم نسمعه في غير هذا الحرف. ووجهه : أنّ فاعلا قد جاء بمعنى فعيل ، وكما جاء فعيل وأفعلة كجريب وأجربة كذلك فاعل».
قال شهاب الدين (٢) : «قد سمع فاعلة ، وأفعلة في حرفين آخرين :
أحدهما : قولهم جائر وأجورة.
والثاني : ناج وأنجية».
وقال الفارسي : «أودية : جمع واد ولا نعلم فاعلا جمع على أفعلة» ، قال : «ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل ، وفعيل على الشيء الواحد ، كعالم وعليم ، وشاهد وشهيد ، وناصر ونصير ، ووزن فاعل يجمع على أفعال كصاحب وأصحاب ، وطائر وأطيار ، [ووزن](٣) فعيل يجمع على أفعلة كجريب ، وأجربة ، ثم لما حصلت المناسبة المذكورة بين فاعل ، وفعيل لا جرم يجمع الفاعل جمع الفعيل ، فيقال : واد وأودية ، ويجمع الفعيل على جمع الفاعل فيقال : يتيم وأيتام ، وشريف وأشراف».
وقال غيره : نظير واد ، وأودية : ناد ، وأندية للمجالس وسمي واديا : لخروجه وسيلانه ، والوادي على هذا اسم للماء السّائل.
وقال أبو علي : «سالت أودية» فيه توسع ، أي : يسال ماؤها فحذف ، ومعنى «بقدرها» أي : بقدر مياهها ؛ لأنّ الأودية ما سالت بقدر نفسها».
قوله : «بقدرها» فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب «سالت».
والثاني : أنّه متعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة للأودية.
وقرأ العامة بفتح الدال ، وزيد بن عليّ ، والأشهب العقيلي ، وأبو عمرو في رواية بسكونها ، وقد تقدّم في البقرة.
قال الواحدي رحمهالله : «القدر والقدر : مبلغ الشّيء ، يقال : كم قدر هذه الدّراهم
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٣٧.
(٣) في أ : وجمع.