وقدرها ومقدارها؟ أي : كم بلغ في القدر وما يكون مساويا لها في الوزن فهو قدرها».
والمعنى : بقدرها من الماء فإن صغر الوادي قل الماء ، وإن اتّسع الوادي كثر الماء.
و «احتمل» بمعنى حمل فافتعل بمعنى المجرّد ، وإنّما نكّر الأودية ، وعرف السيل ؛ لأنّ المطر ينزل في البقاع على المناوبة ، فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض ، وعرف السيل ؛ لأنه قد فهم من الفعل قبله ، وهو قوله : «فسالت» ، وهو لو نكّر لكان نكرة ، فلمّا أعيد أعيد بلفظ التّعريف نحو : «رأيت رجلا فأكرمت الرّجل».
والزّبد : وضر الغليان وخبثه ؛ قال النابغة : [البسيط]
٣١٧٦ ـ فما الفرات إذا هبّ الرّياح له |
|
ترمي غواربه العبرين بالزّبد (١) |
وقيل : هو ما يحمله السّيل من غثاء ونحوه ، وما يرمى به ضفّتاه من الحباب ، وقيل : هو ما يطرحه الوادي إذا [سال](٢) ماؤه ، وارتفعت أمواجه ، وهي عبارات متقاربة. والزّبد : المستخرج من اللّبن. قيل : هو مشتقّ من هذه لمشابهته إيّاه في اللون ، ويقال : زبدته زبدا ، أي : أعطيته مالا كالزّبد يضرب به المثل في الكثرة ، وفي الحديث : «غفرت ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر» (٣).
وقوله تعالى : «رابيا» قال الزجاج : «طافيا عاليا فوق الماء».
وقال غيره : زائدا بسبب انتفاخه ، يقال : ربا يربو إذا زاد.
قوله (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) هذا الجار خبر مقدم ، و «زبد» مبتدأ ، و «مثله» صفة المبتدأ ، والتقدير : ومن الجواهر التي هي كالنّحاس ، والذهب ، والفضة زبد ، أي : خبث مثله ، أي : «مثل زبد الماء».
و «من» في قوله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) تحتمل وجهين :
[أحدهما](٤) : أن تكون لابتداء الغاية ، أي : ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء.
والثاني : أنّها للتبعيض بمعنى : وبعض زبد ، هذا مثل آخر.
فالأول : ضرب المثل بالزّبد الحاصل من المثال ، ووجه المماثلة : أنّ كلّا منهما ناشىء من الأكدار.
وقرأ الأخوان ، وحفص : «يوقدون» بالياء من تحت ، أي : النّاس ، والباقون (٥) بالتاء من فوق على الخطاب ، و «عليه» متعلق ب : «توقدون».
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه (١٦) وشرح القصائد العشر (٥٣١) وروح المعاني ٣ / ١٣٠ وشرح المعلقات السبع للزوزني ٢٠٠ والبحر المحيط ٥ / ٣٥٢ والدر المصون ٤ / ٢٣٨.
(٢) في أ : حاسر.
(٣) تقدم.
(٤) في ب : أبعدهما.
(٥) ينظر : الحجة ٥ / ١٦ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٢٨ وحجة القراءات ٣٧٣ والإتحاف ٢ / ١٦٢ والمحرر الوجيز ٣ / ٣٠٨ والبحر المحيط ٥ / ٣٧٢ والدر المصون ٣ / ٣٢٨.