يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(٢٤)
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) الآية قد تقدّم تقرير القولين في «أفلم» ، وهو نظير «أفمن» ، ومذهب الزمخشريّ فيه بعد هنا.
والمعنى : أنّ العالم بالشّيء كالبصير ، والجاهل به كالأعمى ، وليس أحدهما كالآخر ؛ لأن الأعمى إذا مشى من غير قائد ، فربّما وقع في المهالك ، أو أفسد ما كان في طريقه من الأمتعة النافعة ، وأمّا البصير ، فإنه يكون آمنا [الهلاك](١) ، والإهلاك.
قيل : نزلت في حمزة ، وأبي جهل ، وقيل : في أبي عمّار ، وأبي جهل ، فالأوّل حمزة ، أو عمّار ، والثاني : أبو جهل ، وهو الأعمى ، أي : لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ، ومن لا يبصره ، ولا يتبعه. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) ذوو العقول.
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) بما أمرهم به ، وفرضه عليهم ، ولا يخالفونه. ويجوز أن يكون قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ) صفة ل «أولي الألباب» ، ويجوز أن يكون صفة لقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ).
وقيل : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) مبتدأ : و (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) خبره لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) أولئك لهم اللعنة. وهذه الآية من أوّلها إلى آخرها جملة واحدة شرطيّة ، وشرطها مشتمل على قيود.
القيد الأول قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : يريد الذين عاهدهم حين كانوا في صلب آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٢) [الأعراف : ٣٢] وقيل : المراد ب «عهد الله» كل أمر قام الدليل على صحّته.
والقيد الثاني : قوله سبحانه : (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ، وهذا قريب من الوفاء بالعهد ؛ فإن الوفاء بالعهد قريب من عدم نقض الميثاق ؛ فهما متلازمان.
وقيل : الميثاق ما وثقه المكلف على نفسه من الطاعات كالنذر ، والوفاء بالعهد ما كلف العبد به ابتداء.
وقيل : الوفاء بالعهد : عهد الربوبيّة ، والعبودية ، والمراد بالميثاق : المواثيق المذكورة في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية على وجوب الإيمان بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم عند ظهوره.
__________________
(١) في ب : المهالك.
(٢) ذكر الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٣٢).