وقرأ (١) أبو جعفر : بالإدغام الصّريح من غير إشمام ، وقرأ الحسن (٢) ذلك : بالإظهار مبالغة في بيان إعراب الفعل. وللمحافظة على حركة الإعراب ، اتّفق الجمهور على الإخفاء ، أو الإشمام ، كما تقدّم تحقيقه.
وقرأ ابن (٣) هرمز : «لا تأمنّا» بضم الميم ، نقل حركة النّون الأولى عند إرادة إدغامها ، بعد سلب الميم حركتها ، وخط المصحف بنون واحدة ، ففي قراءة الحسن مخالفة لها. وقرأ أبو رزين ، وابن (٤) وثّاب : «لا تيمنّا» بكسر حرف المضارعة ، إلا أنّ ابن وثّاب سهّل الهمزة.
قال أبو حيّان (٥) : «ومجيئه بعد «ما لك» والمعنى : يرشد إلى أنّه نفي لا نهي ، وليس كقولهم : «ما أحسنّا» في التعجّب ؛ لأنه لو أدغم ، لالتبس التّعجب بالنّفي».
قال شهاب الدّين (٦) : وما أبعد هذا عن توهّم النّهي ، حتى ينصّ عليه بقوله : «لالتبس بالنّفي الصحيح».
فصل
هذا الكلام يدلّ على أن يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يخافهم على يوسف ، ولو لا ذلك ، لما قالوا هذا القول.
واعلم : أنّهم لما أحكموا العزم ، أظهروا عند أبيهم أنّهم في غاية المحبّة ليوسف ، ونهاية الشفقة عليه ، وكانت عادتهم أن يغيبوا عنه مدّة إلى الرّعي ، فسألوه إرساله معهم ، وكان يعقوب ـ عليهالسلام ـ يحب تطييب قلب يوسف ، فاغترّ بقولهم ، وأرسله معهم حين قالوا له : (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) والنّصح هنا : القيام بالمصلحة.
وقيل : البرّ والعطف ، أي : عاطفون عليه قائمون بمصلحته ، نحفظه حتّى نرده إليك.
قيل للحسن : أيحسد المؤمن؟ قال : ما أنساك ببني يعقوب ، ولهذا قيل : الأب جلّاب ، والأخ سلّاب ، وعند ذلك أجمعوا على التّفريق بينه وبين ولده بضرب من الاحتيال ، وقالوا ليعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ).
__________________
(١) وقرأ بها أيضا الزهري ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٢٤ وقرأ بها أيضا زيد بن علي والزهري وعمرو بن عبيد ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٥ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٩.
(٢) وقرأ بها أيضا أبيّ وطلحة بن مصرف والأعمش ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٦ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٥ والدر المصون ٤ / ١٥٩.
(٤) وقرأ بها أيضا الأعمش ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٢٣ وينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٦ والدر المصون ٤ / ١٥٩.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٥.
(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٩.