ورد الفراء هذا وقال : «لم أسمع «يئست» بمعنى علمت».
وردّ عليه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ويدل على ذلك : قراءة علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المدني وعبد الله بن يزيد ، وعلي بن بذيمة : (أفلم يتبين) من : «تبينت كذا» إذا عرفته ، وقد افترى من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس ، وكان أصله : «أفلم يتبين» فسوى هذه الحروف [فتوهّم](١) أنها سين.
قال الزمخشري (٢) : «وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكيف يخفى هذا حتى يبقى بين دفتي الإمام ، وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها المبنى ، هذه والله فرية ما فيها مرية».
وقال الزمخشري (٣) أيضا : «وقيل : إنما استعمل اليأس بمعنى العلم ؛ لأن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف ، والنسيان في معنى الترك لتضمنه ذلك».
وتحصل في «أن» قولان :
أحدهما : أنها «أن» المخففة من الثقيلة ، فاسمها ضمير الشأن ، والجملة الامتناعية بعدها خبرها ، وقد وقع الفصل ب «لو» ، و «أن» وما في حيزها إن علقناها ب «ءامنوا» يكون في محل نصب ، أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه ، إذ أصلها الجر بالحرف ، أي : آمنوا بأن لو يشاء الله ، وإن علقناها ب «ييأس» على أنه بمعنى علم كانت في محل نصب لسدها مسد المفعولين.
والثاني : رابطة بين القسم والمقسم عليه ، كما تقدم.
فصل
قال المفسرون : إن أصحاب رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما سمعوا كلام المشركين طمعوا في أن يفعل الله تعالى ما سألوا فيؤمنوا ، فنزل (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الصحابة من إيمان هؤلاء ، يعني : ألم ييأسوا وكل من علم شيئا ييأس عن خلافه.
يقول : ألم يؤيسهم العلم (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).
فصل
احتج أهل السنة بقوله : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) وكلمة «لو» تفيد انتفاء
__________________
(١) في ب : فتبين.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٠ ـ ٥٣١.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٠.