قوله «أم بظاهر» الظاهر أنها منقطعة. والظاهر هنا ، قيل : الباطن ؛ وأنشدوا : [الطويل]
٣١٨٦ ـ أعيّرتنا ألبانها ولحومها |
|
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر (١) |
أي : باطن.
وفسره مجاهد : بكذب (٢) ، وهو موافق لهذا.
وقيل : «أم» متصلة ، أي : تنبئونه بظاهر لا حقيقة له.
والمعنى : أم يخبرون الله بأمر يعلمونه وهو لا يعلمه ، فإنه لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك البتة ؛ لأنهم ادعوا أن له شريكا في الأرض لا في غيرها أم تموهون بظاهر من القول لا حقيقة له وهو كقوله (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٠].
ثم إنه تعالى بعد هذا الحجاج بيّن طريقتهم ، فقال على وجه التحقير لما هم عليه (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ).
قال الواحدي : «معنى «بل» ههنا كأنه يقول : دع ذلك زين لهم مكرهم لأنه ـ تعالى ـ لما ذكر الدلائل على فساد قولهم فكأنه يقول : دع ذلك الدليل فإنه لا فائدة فيه ، لأن زين لهم كفرهم ومكرهم فلا ينتفعون بذكر هذه الدلائل».
فصل
قالت المعتزلة : لا شبهة في أنه إنما ذكر ذلك لأجل أن يذمّهم به وإذا كان كذلك امتنع أن يكون ذلك المزين هو الله تعالى ، فلا بد إما أن يكون شياطين الإنس وإما شياطين الجن.
قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمهالله ـ : وهذا التأويل ضعيف من وجوه :
الأول : أنه إن كان المزين هو أحد شياطين الإنس أو الجن فالمزين لذلك الشيطان إن كان شيطانا آخر لزم التسلسل ، وإن كان هو الله فقد زال السؤال.
والثاني : أن أفعال القلوب لا يقدر عليها إلا الله ـ عزوجل ـ.
والثالث : أنا دللنا على أن ترجيح الداعي لا يحصل إلا من الله ـ عزوجل ـ وعند حصوله يجب الفعل.
قوله (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) قرأ الكوفيون (٤) ويعقوب «وصدّوا» مبنيا للمفعول ، وفي
__________________
(١) البيت لسبرة الفقعسي. ينظر : الخزانة ٢ / ٦٣٧ ، الحماسة للمرزوقي (١٥٠) ، شرح أبيات الحماسة للتبريزي ١ / ٢٣٤ ، الحماسة لأبي تمام ١ / ٨١ ، ابن الشجري ١ / ٢١٩ ، القرطبي ٥ / ٣٦١ ، البحر المحيط ٥ / ٢٤٥ ، الألوسي ١٣ / ١٦١ ، الدر المصون ٤ / ٢٤٥.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ٢١٢).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٥.
(٤) ينظر : السبعة ٣٥٩ والحجة ٥ / ١٧ ، ١٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٢٩ وحجة القراءات ٣٧٣ ، ٣٧٤ والإتحاف ٢ / ١٦٢ والمحرر الوجيز ٣ / ٣١٤ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٥ ، ٣٨٦ والدر المصون ٤ / ٢٤٥.