غافر (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) [غافر : ٣٧] كذلك ، وباقي السبعة مبنيّين للفاعل ، و «صد» جاء لازما ومتعديا ، فقراءة الكوفية من التعدي فقط ، وقراءة الباقين : يحتمل أن تكون من المتعدي ومفعوله محذوف ، أي : صدوا غيرهم أو أنفسهم ، وأن يكون من اللازم ، أي : أعرضوا وتولوا.
وقرأ ابن وثاب (١) : «وصدّوا عن السّبيل» بكسر الصاد ، وهو مبني للمفعول أجراه مجرى «قيل» و «بيع» فهو كقراءة : (رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥]. وقوله : [الطويل]
٣١٨٧ ـ وما حلّ من جهل حبا حلمائنا |
|
........... (٢) |
وقد تقدم. فأما قراءة المبني للمفعول ، فعند أهل السنة : أن الله صدهم. وللمعتزلة وجهان:
قيل : الشيطان وبعضهم لبعض ، وهو قول أبي مسلم ـ رحمهالله ـ. ومن فتح الصاد : يعني الكفار أعرضوا إن كان لازما ، وصدوا غيرهم إن كان متعديا. وحجة القراءة الأولى مشاكلتها لما قبلها من بناء الفعل للمفعول ، وحجة القراءة الثانية قوله ـ جل ذكره ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) [محمد : ١١] ثم قال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ).
وتمسك أهل السنة بهذه الآية من وجوه : أحدها : قوله (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) وقد تقدم بالدليل أن المزين هو الله تعالى. وثانيها : قوله (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) بضم الصاد ، وبينا أيضا أن ذلك الصاد هو الله تعالى.
وثالثها : قوله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) ، وهو صريح في المقصود ، ثم قال تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي : أشد (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) مانع يمنعهم من العذاب. قال الواحدي : أكثر القراء وقفوا على القاف من غير إثبات ياء ، مثل قوله ـ عزوجل (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [غافر : ٣٣] وكذلك (مِنْ والٍ وَلا واقٍ) [الرعد : ٣٧] وهو الوجه ؛ لأنه يقال في الوصل : «هاد ووال وواق» محذوف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين ، فإذا وقفت انحذف التنوين في الوقف في الرفع والجر ، والياء [كانت](٣) انحذفت في الوصل فيصادف الوقف الحركة التي كسرت فتحذف كما يحذف سائر الحركات التي يوقف عليها ، فيقال : «هاد» و «وال» و «واق».
وابن كثير يقف بالياء ، ووجهه ما حكى سيبويه : أن بعض من يوثق به من العرب يقفون بالياء ، وقد تقدم.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٤ ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٦ ، والدر المصون ٤ / ٢٤٥.
(٢) البيت للفرزدق ينظر : ديوانه ٢ / ٢٩ ، الكتاب ٤ / ١١٨ ، شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٨١ ، المحتسب ١ / ٣٤٦ ، المنصف ١ / ٢٥٠ ، لسان العرب (حلل) ، جمهرة أشعار العرب ص ٨٨٧ والدر المصون ١ / ١١٨.
(٣) في ب : قد.