والجواب : أن كل هذه الوجوه دالة على أن المركب من الحروف والأصوات محدث لا نزاع فيه.
قوله (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) روي أن المشركين كانوا يدعونه إلى ملة آبائهم ، فتوعده الله على موافقتهم على تلك المذاهب مثل أن يصلي إلى قبلتهم بعد ما حوله الله عنها.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : الخطاب مع النبي صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته (١).
وقيل : المراد منه حث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على القيام بحق الرسالة وتحذيره من خلافها ، وذلك يتضمن تحذير جميع المكلفين بطريق الأولى.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٣٩)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) الآية اعلم أن القوم كانوا يذكرون أنواعا من الشبهات في [إبطال](٢) النبوة :
فالشبهة الأولى : قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان: ٧] وهذه الشبهة ذكرها الله في سورة أخرى.
والشبهة الثانية : قولهم : الرسول الذي يرسله الله تعالى إلى الخلق لا بد أن يكون من جنس الملائكة كما قال : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٧] وقالوا : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) [الحجر : ٧].
الشبهة الثالثة : عابوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكثرة الزوجات ، وقالوا لو كان رسولا من عند الله لما اشتغل بالنسوة بل كان معرضا عنهن مشتغلا بالنسك والزهد فأجاب الله ـ عزوجل ـ بقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) وهذا أيضا يصلح أن يكون جوابا عن الشبهات المتقدمة فقد كان لسليمان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ثلاثمائة امرأة ممهرة وسبعمائة سرية ، ولداود ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مائة امرأة.
والشبهة الرابعة : قولهم : لو كان رسولا من عند الله لكان أي شيء طلبناه منه من المعجزات أتى به ولم يتوقف ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
الشبهة الخامسة : أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان يخوفهم بنزول العذاب [وظهور النصرة له ولقومه ، فلما تأخر ذلك احتجوا بتأخره للطعن في نبوته وصدقه ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) يعني نزول العذاب على
__________________
(١) ينظر : الرازي (١٩ / ٤٩).
(٢) في أ : بطلان.