«أثبت» والباقون (١) بالتشديد والتضعيف ، والهمزة للتعدية ولا يصح أن يكون التضعيف للتكثير ، إذ من شرطه أن يكون متعديا قبل ذلك ، ومفعول «يثبت» محذوف ، أي : ويثبت ما يشاء والمحو : ذهاب أثر الكتابة ، يقال : محاه يمحوه محوا ، إذا أذهب أثره.
قوله : «ويثبت» قال النحويون : ويثبته إلا أنه استغنى بتعدية الفعل الأول عن تعدية الفعل الثاني ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) [الأحزاب : ٣٥].
فصل
قال سعيد بن جبير وقتادة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله «ويثبت» ما يشاء منها فلا ينسخه (٢).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) الرزق والأجل والسعادة والشقاوة (٣).
وعن ابن عمر وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا : «يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء» (٤).
وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي يقول : «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني منها بفضلك وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب» (٥).
ومثله عن ابن مسعود وفي بعض الآثار : أن الرجل قد يكون بقي له من عمره ثلاثون سنة ، فيقطع رحمه فيرد إلى ثلاثة أيام ، والرجل قد بقي له من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيرد إلى ثلاثين سنة.
روي عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ينزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آخر ثلاث ساعات يبقين من اللّيل فينظر في الساعة الأولى منهنّ في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت» (٦).
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٥٩ والحجة ٥ / ١٩ ، ٢٠ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٠ وحجة القراءات ٣٧٤ والإتحاف ٢ / ١٦٣ والمحرر الوجيز ٣ / ٣١٧ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٨ والدر المصون ٤ / ٢٤٧.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٢٢).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٩٩).
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٤٠١) عن ابن مسعود وذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٥٢).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٠١).
(٦) أخرجه الطبري (٧ / ٤٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٢٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني.