وعن عطاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت ، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحوا ما يشاء ويثبت (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب](١) فقال : «علم الله ما خلقه وما هو خالقه إلى يوم القيامة» (٢).
قوله تعالى : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)(٤٠)
قوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب قبل وفاتك (٣)(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) ليس عليك إلا ذلك (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) والجزاء يوم القيامة.
قوله : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) جواب للشرط قبله. قال أبو حيان (٤) : «والذي تقدم شرطان ، لأن المعطوف على الشرط شرط ، فأما كونه جوابا للشرط الأول فليس بظاهر ؛ لأنه لا يترتب عليه ، إذ يصير المعنى : وإما نرينك بعض ما نعدهم من العذاب (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) وأما كونه جوابا للشرط الثاني وهو (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) فكذلك لأنه يصير التقدير : إنما نتوفينك فإنما عليك البلاغ ولا يترتب جواب التبليغ عليه وعلى وفاته صلىاللهعليهوسلم لأن التكليف ينقطع [عند الوفاة](٥) فيحتاج إلى تأويل ، وهو أن يقدر لكل شرط ما يناسب أن يكون جزاء مترتبا عليه ، والتقدير : وإما نرينك بعض الذي نعدهم به من العذاب فذلك شافيك من أعدائك أو نتوفينك قبل حلوله بهم ، فلا لوم عليك ولا عتب».
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(٤٣)
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) الآية.
لما وعد رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأن يريه بعض ما وعده أو يتوفاه قبل ذلك ، بين ههنا أن آثار حصول تلك المواعيد وعلاماتها قد ظهرت ، فقال (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعني أن أهل مكة الذين يسألون محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ الآيات (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أكثر المفسرين على أن المراد : فتح ديار الشرك فإن ما زاد من دار الإسلام قد نقص من دار الشرك ؛ لأن المسلمين يستولون على أطراف مكة ويأخذونها من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٠٠).
(٢) زيادة من أ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٠٤) وذكره البغوي (٣ / ٢٣).
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٨٩.
(٥) في ب : بالموت.