وقرىء أيضا (١) : «وبمن» بإعادة الباء الداخلة على «من» عطفا على [«بالله»](٢).
فصل
على هذه القراءة الأولى المراد : شهادة مؤمني أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري. وقال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أهو عبد الله بن سلام؟ ، فقال : وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية (٣) ، وهو ممن آمنوا بالمدينة بعد الهجرة؟.
وأجيب : بأن هذه السورة وإن كانت مكية إلا أن هذه الآية مدنية.
ويعترض هذا أيضا : بأن إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين مع كونهما غير معصومين لا يجوز.
وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والزجاج (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) هو الله ـ سبحانه وتعالى (٤) ـ.
وقال الأصم : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي : ومن عنده علم القرآن.
والمعنى : أن الكتاب الذي جئتكم به معجز قاهر ، إلا أنه لا يحصل العلم بكونه معجزا إلا لمن علم ما فيه من الفصاحة والبلاغة واشتماله على الغيوب وعلى العلوم الكثيرة فمن عرف هذا الكتاب من هذا الوجه دل على كونه معجزا.
وقيل : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي : الذي حصل عنده علم التوراة والإنجيل يعني كل من كان عالما بهذين الكتابين علم اشتمالهما على البشارة بمقدم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإذا أنصف ذلك العالم ولم يكذبه كان ذلك شاهدا على أن محمدا رسول حق من عند الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
وأما معنى القراءة الثانية : أي : أن أحدا لا يعلم الكتاب إلا من فضله وإحسانه وتعليمه ، والمراد العلم الذي هو ضد الجهل.
وأما القراءة على ما لم يسم فاعله ، فالمعنى : أنه ـ تعالى ـ لما أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يحتج عليهم بشهادة الله على نبوته ، وكان لا معنى لشهادة الله على نبوته إلا إظهار القرآن على وفق دعواه ، ولا يعلم كون القرآن معجزا إلا بعد الإحاطة بمعاني القرآن وأسراره ،
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٦ والدر المصون ٤ / ٢٤٨.
(٢) في أ : الجلالة.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٢٩) وزاد نسبته إلى إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في «ناسخه».
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١١) عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٢٩) عن مجاهد وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.