قوله (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) متعلق ب «أنزلناه». وقرىء (١) (ليخرج الناس) بفتح الياء وضمّ الراء ، من خرج يخرج. «النّاس» رفعا على الفاعليّة.
قالت المعتزلة : اللّام في «لتخرج» لام الغرض والحكمة ، تدلّ على أنه ـ تعالى ـ إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض ، فدل على أنّ أقوال الله ـ تعالى ـ وأفعاله معللة برعاية المصالح.
وأجيب : بأن من فعل فعلا لأجل شيء آخر ، فهذا إنّما يفعله إذا كان عاجزا عن تحصيل ذلك المقصود إلّا بهذه الواسطة ، وذلك محال في حقّ الله ـ تعالى ـ ، وإذا ثبت بالدّليل منع تعليل أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه بالعلل ؛ ثبت أنّ كل ظاهر أشعر به فهو مؤول على معنى آخر.
فصل
قوله تعالى : (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي : لتدعوهم من ظلمات [الضّلال](٢) إلى نور الإيمان.
قال القاضي (٣) ـ رحمهالله ـ : هذه الآية تبطل القول بالجبر من جهات :
أحدها : أنّه ـ تعالى ـ لو خلق الكفر في الكافر ، فكيف يصحّ إخراجه منه بالكتاب.
وثانيها : أنّه ـ تعالى ـ أضاف الإخراج من الظّلمات إلى النور إلى الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن كان خالق الكفر هو الله ـ تعالى ـ فكيف يصحّ من الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إخراجهم منه ، وكان للكافر أن يقول : إنّك تقول : إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصحّ منك أن تخرجنا؟.
فإن قال لهم : أنا أخرجكم من الظّلمات التي هي كفر مستقبل لا واقع فلهم أن يقولوا : إنه كان الله سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج ، وإن لم يخلقه الله فنحن خارجون منه بلا إخراج.
وثالثها : أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إنّما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليه ليتدبروه ؛ ولينظروا فيه فيعلموا بالنّظر ، والاستدلال كونه ـ تعالى ـ عالما قادرا حكيما ، ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فحينئذ يقبلوا منه كلّ ما جاءهم من الشّرائع ، وذلك إنّما يكون إذا كان الفعل لهم ويقع باختيارهم ، ويصحّ منهم أن يقدموا عليه ويتصرّفوا فيه.
والجواب عن الكل : أن يقال : الفعل الصادر من العبد.
إمّا أن يصدر عنه حال استواء الدّاعي إلى الفعل والترك.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٧ ، البحر المحيط ٥ / ٣٩٣ ، والدر المصون ٤ / ٢٤٩.
(٢) في أ : الضلالة.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٥٨.