أو حال رجحان أحد الطرفين على الآخر.
والأول باطل ؛ لأنّ صدور الفعل يقتضي رجحان جانب الوجود على جانب العدم وحصول الرّجحان حال حصول الاستواء محال ، والثاني عين قولنا ؛ لأنّه يمتنع صدور الفعل عنه إلّا بعد حصول الرجحان ، فإن كان ذلك الرجحان منه عاد السؤال ، وإن لم يكن منه بل من الله ، فحينئذ يكون المؤثر الأول هو الله ـ تعالى ـ وهو المطلوب.
قوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يجوز أن يتعلق بالإخراج ، أي : بتيسيره وتسهيله ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه حال من فاعل : «يخرج» أي : مأذونا لك.
وهذا يدلّ على أنّ فعل العبد مخلوق لله تعالى ، فإنّ قوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) معناه : أنّ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لا يمكنه إخراج النّاس من الظلمات إلى النّور إلا بإذن الله تعالى.
والمراد بهذا الإذن : إما الأمر وإما العلم وإما المشيئة والخلق ، وحمل الإذن على الأمر محال ؛ لأنّ الإخراج من الجهل إلى العلم لا يتوقف على الأمر فإنّه سواء حصل الأمر أم لم يحصل ، فإنّ الجهل متميز عن العلم ، والباطل متميز عن الحقّ.
وأيضا : حمل الإذن على العلم محال ؛ لأنّ العلم يتبع المعلوم على ما هو عليه فالعلم بالخروج من الظّلمات إلى النّور تابع لذلك الخروج ، ولا يمتنع أن يقال : إن حصول ذلك الخروج تابع للعلم بحصول ذلك الخروج ، ولما بطل هذان القسمان لم يبق إلا أن المراد من الإذن : المشيئة ، والتخليق ، وذلك يدلّ على أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لا يمكنه إخراج النّاس من الظلمات إلى النّور إلّا بمشيئة الله ـ تعالى ـ.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من الإذن الإلطاف؟.
فالجواب : لفظ الإذن مجمل ، ونحن نفصل القول فيه.
فنقول : المراد بالإذن إمّا أن يكون أمرا يقتضي رجحان جانب الوجود على جانب العدم ، أو لا يقتضي ذلك ، فإنّ كان الثاني لم يكن له فيه أثر ألبتة ، وامتنع أن يقال : إنه إنّما حصل بسببه ، ولأجله فبقي الأول ، وهو أنّ المراد من الإذن معنى يقتضي رجحان ترجيح جانب الوجود على جانب العدم ، ومتى حصل الرجحان فيه حصل الوجود ولا معنى لذلك إلا الداعية الموجبة وهو قولنا.
فصل
دلّت الآية على أنّ طرق الكفر ، والضلالات كثيرة ، وأنّ طريق الحقّ ليس إلّا واحدا ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ عبر عن الجهل ، والكفر بالظلمات ، وهي صيغة جمع ، وعبّر عن الإيمان والهداية بالنّور وهو لفظ مفرد.
قوله (إِلى صِراطِ) فيه وجهان :