وقول الآخر : [الرجز]
٣١٩٠ ـ وبالطّويل العمر عمرا حيدرا (١)
يريد : الطير العائذات ، وبالعمر الطويل.
قال شهاب الدّين (٢) ـ رحمهالله ـ : «وهذا فيما لم يكن الموصوف نكرة ، أمّا إذا كان نكرة فتنصب تلك الصفة على الحال».
قال ابن الخطيب (٣) : «الله» : اسم على لذاته المخصوصة وإذا كان كذلك ، فإذا أردنا أن نذكر الصفات ذكرنا أولا قولنا : «الله» ، ثم وصفناه كقوله : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) [الحشر : ٢٢] الملك القدّوس ، ولا يمكننا أن نعكس الأمر فنقول : هو الرحمن الرحيم الله ، فعلمنا أنّ «الله» اسم علم للذّات المخصوصة ، وسائر الألفاظ دالة على الصّفات.
وإذا ظهرت هذه المقدمة فالترتيب الحسن : أن يذكر الاسم ثم يذكر عقيبه الصفات ، كقوله : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] فأمّا أن تعكس فتقول : هو الخالق المصور البارىء الله ؛ فذلك غير جائز ، وإذا ثبت هذا فنقول : الذين قرؤوا برفع الجلالة على أنّه مبتدأ ، وما بعده خبر هو الصحيح ، والذين قرءوا بالجرّ إتباعا لقوله : (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) مشكل لما بيّنا من أنّ الترتيب الحسن أن يقال : الله الخالق ، وعند هذا اختلفوا في الجواب :
فقال أبو عمرو بن العلاء : القراءة بالخفض على التّقديم ، والتّأخير ، والتقدير : صراط الله العزيز الحميد الذي له ما في السموات [والأرض](٤).
وقيل : لا يبعد أن تذكر الصفة أولا ثمّ يذكر الاسم ، ثم تذكر الصّفة مرة أخرى كما يقال : الإمام الأجلّ محمد الفقيه ، وهو بعينه نظير قوله : (صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
وتحقيق القول فيه : أنّا بيّنا أنّ الصّراط إنّما يكون ممدوحا محمودا إذا كان صراطا للعالم القادر الغنيّ ، والله تعالى عبّر عن هذه الأمور الثلاثة بقوله : (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) فوقعت الشبهة في أن ذلك : (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) من هو؟ فعطف عليها قوله (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إزالة لتلك الشّبهة.
قوله : «وويل» مبتدأ ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء ك «سلام عليكم» ، و «للكافرين» خبره ، و «من عذاب» متعلّق بالويل.
ومنعه أبو حيّان ؛ لأنّه يلزم منه الفصل بين المصدر ومعموله ، وهو ممنوع حيث
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٥٠.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٦٠.
(٤) سقط في ب.