يتقدّم المصدر بحرف مصدري وفعل ، وقد تقدم.
ولذلك جوزوا تعلق (بِما صَبَرْتُمْ) ب (سَلامٌ) [الرعد : ٢٤] ، ولم يعترضوا عليه بشيء ، ولا فرق بين الموضعين.
وقال الزمخشريّ (١) : «فإن قلت : ما وجه اتّصال قوله : (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) بالويل؟ قلت : لأنّ المعنى يولولون من عذاب شديد».
قال أبو حيان (٢) : فظاهره يدلّ على تقدير عامل يتعلق به (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ).
ويجوز أن يتعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة للمبتدأ ، وفيه سلامة من الاعتراض المتقدم ولا يضر الفصل بالخبر.
فصل
والمعنى : أنّهم لما تركوا عبادة الله المالك للسموات ، والأرض ، وكل ما فيها وعبدوا ما لا يملك نفعا ، ولا ضرّا ، ويخلق ، ولا يخلق ، ولا إدراك له ، فالويل كل الويل لمن هو كذلك ، وإنما خصهم بالويل ، لأنهم يولولون من عذاب شديد ، ويقولون : يا ويلاه نظيره قوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣] ثم وصفهم الله تعالى بثلاثة أنواع :
الأول : قوله : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) يجوز أن يكون مبتدأ ، خبره : «أولئك» وما بعده.
وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هم الّذين.
وأن يكون منصوبا بإضمار فعل على [المدح](٣) فيهما.
وأن يكون مجرورا على البدل ، أو البيان ، أو النعت ، قاله الزمخشريّ (٤) ، وأبو البقاء (٥) والحوفي وغيرهم.
ورده أبو حيان (٦) : بأن فيه الفصل بأجنبيّ ، وهو قوله ـ جل ذكره ـ (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) قال : «ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدّار لزيد الحسنة القرشي وهذا لا يجوز ؛ لأنك فصلت بين «زيد» وصفته بأجنبي منهما ، وهو صفة الدّار وهو لا يجوز ، والتركيب الصحيح أن تقول : الدّار الحسنة لزيد القرشيّ ، أو الدّار لزيد القرشي الحسنة».
و «يستحبّون» استفعل فيه بمعنى أفعل ، كاستجاب بمعنى أجاب ، أو يكون على بابه ، وضمن معنى الإيثار ، ولذلك تعدّى ب «على».
وقرأ الحسن (٧) : «يصدّون» بضم الياء من «أصدّ» ، و «أصدّ» منقول من «صدّ»
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٣.
(٣) في ب : الذم.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٧.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٥.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.
(٧) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٨ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٩٤ ، والدر المصون ٤ / ٢٥١.