بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٨)
قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) الآية لما ذكر في أوّل السورة : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) فكان هذا إنعاما من الله على الرسول من حيث إنّه فوض إليه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هذا الأمر العظيم وإنعاما على الخلق حيث أرسل إليهم من خلصهم من ظلمات الكفر [إلى الرشد](١) ، وأرشدهم إلى نور الإيمان. ذكر في هذه الآية ما يجري مجرى تعهد النعمة ، والإحسان في الوجهين ؛ أمّا بالنسبة إلى الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ؛ فلأنه تعالى بين أنّ سائر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام أجمعين ـ كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة ، وأنت يا محمد فمبعوث إلى عالم البشر ، فكان هذا الإنعام في حقك أفضل وأكمل ، وأما بالنسبة إلى عامة الخلق فهو أنه ـ تعالى ـ ما بعث رسولا إلى قوم إلا بلسانهم ليسهل عليهم فهم تلك الشريعة فهذا وجه النظم.
قوله : (إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) يجوز أن يكون حالا ، أي : إلّا [متكلما](٢) بلغة قومه.
قال القرطبي (٣) : «وحّد اللسان ، وإن أضافه إلى القوم ؛ لأن المراد به اللغة فهو اسم جنس يقع على القليل ، والكثير».
وقرأ العامة : «بلسان» بزنة كتاب ، أي : بلغة قومه. وقرأ أبو (٤) الجوزاء وأبو السمال وأبو عمران الجوني : بكسر اللام وسكون السين ، وفيه قولان :
أحدهما : أنّهما بمعنى واحد ، كالرّيش والرّياش.
والثاني : أنّ اللسان يطلق على العضو المعروف وعلى اللغة ، وأمّا اللّسن فخاص باللغة ، ذكره ابن عطيّة ، وصاحب اللّوامح.
وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكل (٥) ، والجحدريّ : بضم اللام والسين ، وهو جمع
__________________
(١) زيادة من ب.
(٢) في أ : مكلما.
(٣) ينظر الجامع لأحكام القرآن ٩ / ٢٢٣.
(٤) ينظر المحرر الوجيز ٣ / ٣٢٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٩٤ والدر المصون ٤ / ٢٥١.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٤ والدر المصون ٤ / ٢٥١.