محال وأجيب عن ذلك بأنّ الفاعل في الحقيقة مقدّر ، حذف هو وقام المضاف إليه مقامه ، والتقدير : ليحزنني توقع ذهابكم. وقرأ زيد بن علي وابن هرمز ، وابن محيصن : «ليحزنّي» بالإدغام.
وقرأ زيد بن (١) علي : «تذهبوا به» بضم التّاء من «أذهب» وهو كقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] في قراءة من ضمّ التّاء ، فتكون التاء زائدة أو حالية.
والذئب يهمز ولا يهمز ، وبعدم الهمز قرأ السّوسيّ ، والكسائيّ ، وورش (٢) ، وفي الوقف لا يهمزه حمزة ، قالوا وهو مشتقّ من : تذاءبت الرّيح إذا هبّت من كلّ جهة ؛ لأنه يأتي كذلك ، ويجمع على ذائب ، وذؤبان ، وأذؤب ؛ قال : [الطويل]
٣٠٦٣ ـ وأزور يمشي في بلاد بعيدة |
|
تعاوى به ذؤبانه وثعالبه (٣) |
وأرض مذأبة : كثيرة الذّئاب ، وذؤابة الشّعر ؛ لتحرّكها ، وتقلبها من ذلك.
وقوله : (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) : جملة حاليّة ، العامل فيها : «يأكله».
فصل
لما طلبوا منه إرسال يوسف عليهالسلام معهم اعتذر إليهم بشيئين :
أحدهما : ليبيّن لهم أنّ ذهابهم به مما يحزنه ؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعة.
والثاني : خوفه عليه من الذّئب إذا غفلوا عنه برعيهم ، أو لعبهم أو لقلة اهتمامهم به.
فقيل : إنه رأى في النّوم أن الذّئب شدّ على يوسف فكان يحذره ، فلأجل هذا ذكر ذلك. وقيل : إن الذّئاب كانت كثيرة في أرضهم ، فلما قال يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ هذا الكلام ، أجابوه بقولهم : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) وفائدة اللام في «لئن» من وجهين :
أحدهما : أن كلمة «إن» تفيد كون الشّرط مستلزما للجزاء ، أي : إن وقعت هذه الواقعة ، فنحن خاسرون ، فهذه اللام دخلت ؛ لتأكيد هذا الاستلزام.
والثاني : قال الزمخشري (٤) ـ رحمهالله ـ «هذه اللام تدلّ على إضمار القسم ، [تقديره:](٥) والله لئن أكله الذئب ، لكنّا خاسرين».
والواو في : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) واو الحال ؛ فتكون الجملة من قوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) جملة حاليّة. وقيل : معترضة ، و (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) جواب القسم ، و «إذا» : حرف
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٧ والدر المصون ٤ / ١٦١.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٤٠٧ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٠٥ وحجة القراءات ٣٥٧ والإتحاف ٢ / ١٤٢ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٧ والدر المصون ٤ / ١٦١.
(٣) البيت لذي الرمة ينظر : ديوانه ص ٤٨ وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٣ والتاج (ذور) والدر المصون ٤ / ١٦١.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٩.
(٥) في أ : التقدير.