ومعنى : «تأذّن» آذن ربكم إيذانا بليغا ، أي : أعلم ، يقال : أذّن وتأذّن بمعنى واحد مثل : أوعد وتوعّد ، روي ذلك عن الحسن وغيره ومنه الأذان ؛ لأنه إعلام قال الشاعر : [الوافر]
٣١٩٥ ـ فلم نشعر بضوء الصّبح حتّى |
|
سمعنا في مجالسنا الأذينا (١) |
وكان ابن مسعود (٢) يقرأ «وإذ قال ربّكم» والمعنى واحد.
فيقال : «(لَئِنْ شَكَرْتُمْ») نعمتي ، وآمنتم ، وأطعتم : (لَأَزِيدَنَّكُمْ) في النعمة.
وقيل : لئن شكرتم بالطّاعة «لأزيدنكم» في الثواب.
والآية نصّ في أنّ الشكر سبب المزيد : (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) نعمتي فجحدتموها ، ولم تشكروها : (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ).
وقيل : المراد الكفر ؛ لأن كفران النعمة لا يحصل إلا عند الجهل بكون تلك النعمة من الله ـ تعالى ـ.
قوله : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : غني عن خلقه حميد محمود في أفعاله.
والمعنى : أن منافع الشكر ومضار الكفر لا تعود إلا إلى الشّاكر والكافر ، أمّا المعبود والمشكور فإنّه متعال عن أن ينتفع بالشّكر ، أو يستضر بالكفران ، فلا جرم قال تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).
والغرض منه : بيان أنه ـ تعالى ـ إنّما أمر بهذه الطّاعات لمنافع عائدة إلى العابد لا إلى المعبود.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٥ / ٣٧٩.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٤١ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٩٦.