جواب ، وحذف جواب الشرط ، وقد تقدّم الكلام فيه مشبعا.
فصل
ونقل أبو البقاء (١) : أنه قرىء «عصبة» بالنصب ، وقدر ما تقدم في الآية الأولى. في المراد بقولهم : (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) وجوه :
الأول : [عاجزون](٢) ضعفاء ، نظيره قوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [المؤمنون : ٣٤] أي : لعاجزون.
الثاني : أنهم يكونون مستحقّين لأن يدعى عليهم بالخسارة والدّمار ، وأن يقال : أخسرهم الله ، ودمّرهم حين أكل الذّئب أخاهم وهم حاضرون عصبة : عشرة تعصب بهم الأمور ، تكفى (٣) الخطوب بمثلهم.
الثالث : إذا لم نقدر على حفظ أخينا ، فقد هلكت مواشينا ، وخسرنا.
الرابع : أنّهم كانوا قد أتعبوا أنفسهم في خدمة أبيهم ، واجتهدوا في القيام بمهمّاته ، ليفوزوا منه بالدعاء والثناء ، فقالوا : لو قصّرنا في هذه الخدمة ، فقد أحبطنا كل تلك الأعمال ، وخسرنا كل ما صدر منّا من أنواع الخدمة.
فإن قيل : إنّ يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ اعتذر بعذرين (٤) : شدة حبّه ، وأكل الذئب له ، فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟.
فالجواب : أن حقدهم ، وغيظهم كان بسبب المحبّة ، فتغافلوا عنه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٥)
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) الآية : لا بدّ من الإضمار في هذه الآية في موضعين :
الأول : التقدير : قالوا : لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنّا إذا لخاسرون فأذن له ، وأرسله معهم ، ثم يتصل به قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ).
الثاني : في جواب (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) أوجه :
أحدها : أنه محذوف ، أي : عرفناه ، وأوصلنا إليه الطمأنينة ، وقدره الزمخشريّ : «فعلوا به ما فعلوا من الأذى» وقدره غيره : عظمت فتنتهم ، وآخرون : جعلوه فيها ، وهذا أولى ؛ لدلالة الكلام عليه.
الثاني : أن الجواب مثبت ، وهو قوله : (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا) أي : لمّا كان كيت وكيت ، قالوا. وفيه بعد ؛ لبعد الكلام من بعضه.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٠.
(٢) في أ : عجزة.
(٣) في ب : تكفى.
(٤) في ب : بشيئين.