وخامسها : لعل أولئك الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ كانوا قبل إرسالهم على ملّة من الملل ، ثم إنه ـ تعالى ـ نسخ تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي تلك الأقوام على تلك الشريعة المنسوخة مصرين عليها ، وعلى هذا التقدير ، فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يعودوا إلى تلك الملّة.
ولما ذكر الكفّار هذا الكلام أوحى الله ـ عزوجل ـ إليهم (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ).
قوله «لنهلكنّ» جواب قسم مضمر ، وذلك القسم وجوابه فيه وجهان :
أحدهما : أنه على إضمار القول ، أي : قال لنهلكن.
والثاني : أنه أجرى الإيحاء مجرى القول ؛ لأنه ضرب منه.
وقرأ أبو حيوة «ليهلكنّ» و «ليسكننّكم» بياء الغيبة مناسبة لقوله : «ربّهم» والمراد بالأرض : أرض الظالمين ، وديارهم ، وأموالهم وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من آذى جاره ورّثه الله داره» وهذه الآية تدلّ على أن من يتوكل على الله في دفع عدوه كفاه الله أمر عدوه.
قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) «ذلك» مبتدأ ، وهو مشار به إلى توريث الأرض ، ولمن خاف» هو الخبر ، و «مقامي» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مقحم ، وهو بعيد ؛ إذ الأسماء لا تقحم.
الثاني : أنه مصدر مضاف للفاعل.
قال الفراء : «مقامي» مصدر مضاف لفاعله أي : مقامي عليه بالحفظ.
الثالث : أنه اسم مكان.
قال الزجاج : «مكان وقوفه بين يدي الحساب ، كقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) [الرحمن : ٤٦] فأضاف قيام العبد إلى نفسه ، كقولك : ندمت على ضربك ، أي : على ضربي إيّاك ، و «خاف وعيد» أي : عقابي ، أثبت الياء هنا ، وفي «ق» في موضعين : (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] وصلا ، وحذفها وقفا (١) ورش ، والباقون وصلا ووقفا».
فصل
في تفسير المقام وجوه :
الأول : موقفي وهو موقف الحساب ؛ لأنّه الذي يقف فيه العباد يوم القيامة ، كقوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) [النازعات : ١٠].
الثاني : أن المقام مصدر كالقيام ، يقال : قام قياما ، ومقاما ، أي : لمن خاف مقامي ،
__________________
(١) ينظر : إعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٨ والاتحاف ٢ / ١٦٧ والدر المصون ٤ / ٢٥٦.