أي : مقام العباد عندي ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
الثالث : لمن خاف مقامي ، أي : لمن خافني ، وذكر المقام هنا ، كقولك سلام على المجلس الفلاني ، والمراد : السّلام على فلان.
قوله : (وَخافَ وَعِيدِ) قال الواحدي : الوعيد اسم من أوعد إيعادا وهو التّهديد.
قال ابن عباس : خاف ما أوعدت من العذاب (١).
وهذه الآية تدلّ على أنّ الخوف من الله ـ تعالى ـ غير الخوف من وعيده ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة.
قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ)(١٧)
قوله : (وَاسْتَفْتَحُوا) العامة على «استفتحوا» فعلا ماضيا ، وفي ضميره أقوال :
أحدها : أنه عائد على الرّسل الكرام ، ومعنى الاستفتاح : الاستنصار كقوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) [الأنفال : ١٩].
وقيل : طلب الحكم من الفتاحة ، وهي الحكومة ، كقوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [الأعراف : ٨٩].
الثاني : أن يعود على الكفار ، أي استفتح أمم الرسل عليهم ؛ كقوله تعالى : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] وقيل : عائد على الفريقين ؛ لأن كلّا طلب النصر على صاحبه.
وقيل : يعود على قريش ؛ لأنهم في سني الجدب استمطروا فلم يمطروا ، وهو على هذا مستأنف ، وأما على غيره من الأقوال فهو عطف على قوله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ).
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن رضي الله عنهم (وَاسْتَفْتَحُوا) على لفظ الأمر أمرا للرسل بطلب النصرة ، وهي تقوية لعوده في المشهورة على الرسل ، والتقدير : قال لهم : لنهلكن ، وقال لهم : استفتحوا.
قوله : «وخاب» هو في قراءة العامة عطف على محذوف ، وتقديره : استفتحوا ، فنصروا ، وخاب ، ويجوز أن يكون عطفا على «استفتحوا» على أن الضمير فيه للكفار ، وفي غيرها على القول المحذوف وقد تقدم أنه يعطف الطلب على الخبر وبالعكس.
إن قلنا : المستفتحون الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فنصروا وظفروا ، وهو قول مجاهد
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره ١٩ / ٨٠.