الثالث : أن الجواب هو قوله : (وَأَوْحَيْنا) والواو فيه زائدة ، أي : فلما ذهبوا به أوحينا ، وهو رأي الكوفيين ، وجعلوا من ذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣ ، ١٠٤] ، أي : تله ، (وَنادَيْناهُ) ، أي : ناديناه ، وقوله عزوجل : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] وقول امرىء القيس : [الطويل]
٣٠٦٤ ـ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى |
|
بنا بطن حقف [ذي ركام عقنقل](١) |
تقدم أي فلما أجزنا انتحى وهو كثير عندهم بعد «لمّا».
قوله : (أَنْ يَجْعَلُوهُ) «مفعول» «أجمعوا» أي : عزموا على أن يجعلوه ؛ لأنه يتعدّى بنفسه ، وب «على» فإنه يحتمل أن يكون على حذف الحرف ، وألّا يكون ، فعلى الأول : يحتمل موضعه (٢) النصب والجرّ ، وعلى الثاني : يتعين النّصب ، والجعل يجوز أن يكون بمعنى : الإلقاء ، وأن يكون بمعنى : التّصيير فعلى الأول : يتعلّق في «غيابة» بنفس الفعل قبله ، وعلى الثاني : بمحذوف ، والفعل من قوله : (وَأَجْمَعُوا) يجوز أن يكون معطوفا على ما قبله ، وأن يكون حالا ، و «قد» معه مضمرة عند بعضهم ، والضمير في «إليه» الظاهر عوده على يوسف ، وقيل : يعود على يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقرأ العامّة : «لتنبئنّهم» بتاء الخطاب ، وقرأ ابن عمر (٣) : بياء الغيبة ، أي : الله ـ سبحانه وتعالى ـ.
قال أبو حيّان (٤) : «وكذا في بعض مصاحف (٥) البصرة» وقد تقدّم أن النقط حادث فإن قال : مصحف حادث غير مصحف عثمان رضي الله عنه فليس الكلام في ذلك. وقرأ (٦) سلّام : «لننبّئنّهم» بالنون ، وهذا صفة لقولهم. وقيل : بدل. وقيل : بيان.
قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جملة حالية ، يجوز أن يكون العامل فيها «أوحينا» أي : أوحينا إليه من غير شعور إخوته ـ بالوحي ، وأن يكون العامل فيها «لتنبئنّهم» أي تخبرهم وهم لا يعرفونك لبعد المدة وتغير الأحوال.
فصل
في المراد بقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) قولان :
الأول : المراد منه الوحي والنبوة والرسالة ، وهو قول أكثر المحققين ، ثم اختلف هؤلاء في أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ هل كان في ذلك الوقت بالغا أو كان صبيا؟.
قال بعضهم : كان بالغا وكان ابن سبع عشرة سنة. وقال آخرون : كان صغيرا إلا أن
__________________
(١) تقدم برقم ٤٧٧.
(٢) في ب : موضعها.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٨ والدر المصون ٤ / ١٦٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٨.
(٥) في ب : مصاحف.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٢٥ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٨ والدر المصون ٤ / ١٦٢.