وقيل : يأتيه الموت من الجهات السّت (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) فيستريح.
قال ابن جريج : تعلق روحه عند حنجرته ، ولا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيستريح فتنفعه الحياة ، نظيره : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤].
قوله : (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) في الضمير وجهان :
أظهرهما : أنه عائد على «كلّ جبّار».
والثاني : أنه عائد على العذاب المتقدم.
قيل : العذاب الغليظ : الخلود في النار.
وقيل : إنّه في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشدّ مما قبله ، وتقدم الكلام على معنى (مِنْ وَرائِهِ).
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ)(٢٠)
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) الآية لما ذكر أنواع عذابهم بين بعده أن سائر أعمالهم تصير ضائعة باطلة ، وذلك هو الخسران الشديد.
وفي ارتفاع : «مثل» أوجه :
أحدها : وهو مذهب سيبويه أنّه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا بربهم ، وتكون الجملة من قوله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) مستأنفة جوابا لسؤال مقدر ، كأنه قيل : كيف مثلهم؟ فقيل : كيت وكيت «والمثل : مستعار للصفة التي فيها غرابة ، كقوله : صفة زيد عرضه مصون ، وماله مبذول».
الثاني : أن يكون «مثل» مبتدأ ، و «أعمالهم» مبتدأ ثان ، و «كرماد» خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر المبتدأ الأوّل.
قال ابن عطيّة : «وهذا عندي أرجح الأقوال ، وكأنك قلت : المتحصل في النفس مثالا للذين كفروا هذه الجملة المذكورة» وإليه نحا الحوفي.
قال أبو حيان (١) : «وهو لا يجوز ؛ لأن الجملة التي وقعت خبرا للمبتدأ لا رابط فيها يربطها بالمبتدأ ، وليست نفس المبتدأ فيستغنى عن رابط».
قال شهاب الدّين (٢) ـ رحمهالله ـ : «بل الجملة نفس المبتدأ ، فإن نفس مثلهم هو (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) في أنّ كلّا منهما لا يفيد شيئا ، ولا يبقى له أثر ، فهو نظير قولك :
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٠٥.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٥٨.