أي : كاسف الشمس.
الثاني : أنه عائد على النّسب ، أي : ذي عصوف ، كلابن وتامر.
الثالث : أنه خفض على الجوار ، أي : كان الأصل أن يتبع العاصف الريح في الإعراب ، فيقال : اشتدت به الريح العاصفة في يوم ، فلمّا وقع بعد اليوم أعرب بإعرابه ، كقولهم : «جحر ضبّ خرب».
وفي جعل هذا من باب الخفض على الجوار نظر ؛ لأنّ من شرطه أن يكون بحيث لو جعل صفة لما قطع عن إعرابه ليصحّ كالمثال المذكور ، وهنا لو جعلت صفة للريح لم يصحّ لتخالفها تعريفا ، وتنكيرا في هذا [التركيب](١) الخاص.
وقرأ الحسن (٢) وابن أبي إسحاق : [«يوم عاصف»](٣) وهي على حذف الموصوف ، أي : في يوم ريح عاصف ، فحذف لفهم المعنى الدال على ذلك.
ويجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته عند من يرى ذلك نحو : «البقلة الحمقاء». ويقال : ريح عاصف ومعصف ، وأصله من العصف ، وهو ما يكبر من الزرع ، فقيل ذلك للريح الشديد ؛ لأنّها تعصف ، أي : تكسر ما تمرّ به.
قوله «لا يقدرون» مستأنف ، ويضعف أن يكون صفة ل «يوم» على حذف العائد أي : لا يقدرون فيه ، و «ممّا كسبوا» متعلق بمحذوف لأنه حال من «شيء» إذ لو تأخر لكان صفة ، والتقدير : على شيء مما كسبوا.
فصل
وجه المشابهة بين هذا المثل وبين أعمالهم : هو أنّ الريح العاصفة تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى لذلك الرماد أثر ، فكذا كفرهم يبطل أعمالهم ويحبطها بحيث لا يبقى من أعمالهم معه أثر. واختلفوا في المراد بتلك الأعمال ، فقيل : ما عملوه من أعمال البرّ كالصدقة ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، وإطعام الجائع ، فتبطل وتحبط بسبب كفرهم بالله ، ولو لا كفرهم لانتفعوا بها.
وقيل : المراد بتلك الأعمال عبادتهم الأصنام ، وكفرهم الذي اعتقدوه إيمانا وطريقا لخلاصهم ، وأتعبوا أبدانهم دهرا طويلا لينتفعوا بها ، فصارت وبالا عليهم.
وقيل : المراد من أعمالهم كلا القسمين ؛ لأنّ أعمالهم التي كانت في أنفسها خيرات قد بطلت ، والأعمال التي اعتقدوها خيرا ، وأفنوا فيها أعمالهم بطلت أيضا ، وصارت من
__________________
(١) في أ : الباب.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٣٢ والبحر المحيط ٥ / ٤٠٥ والدر المصون ٤ / ٢٥٩.
(٣) في أ : بإضافة «يوم» ل «عاصف».