أعظم الموجبات لعذابهم ، ولا شك أنّه يعظم حسرتهم وندامتهم ولذلك قال : (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) الآية لما بين بطلان أعمالهم بسبب كفرهم ، وإعراضهم عن قبول الحق ، وأنّ الله ـ تعالى ـ لا يبطل أعمال المخلصين ابتداء ، وكيف يليق بالحكمة أن يفعل ذلك والله تعالى ما خلق هذا العالم إلا لرعاية الحكمة والصواب.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) قرأ أبو عبد الرحمن رحمهالله تعالى (١) : بسكون الراء ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
والثاني : أنّ العرب حذفت لام الكلمة عند عدم الجازم ، فقالوا : «ولو تر ما الصّبيان» فلما دخل الجازم تخيلوا أنّ الراء محل الجزم ، ونظيره «لم أبل» فإن أصله : أبالي ، ثم حذفوا لامه رفعا ، فلمّا جزموه لم يعتدوا بلامه ، وتوهموا الجزم في اللام ، والرّؤية هنا قلبية ف «أنّ» في محل المفعولين ، أو أحدهما على الخلاف.
وقرأ الأخوان (٢) هنا : (خالق السماوات والأرض) «خالق» اسم فاعل مضاف لما بعده فلذلك خفضوا ما عطف عليه ، وهو «الأرض» ، وفي «النور» : «خالق كلّ دابّة» [آية : ٤٥] اسم فاعل مضاف لما بعده ، والباقون : «خلق» فعلا ماضيا ، ولذلك نصبوا : «الأرض» و (كُلَّ دَابَّةٍ) [النور : ٤٥] وكسر «السّموات» في قراءة الأخوين خفض ، وفي قراءة غيرهما نصب ، ولو قيل : في قراءة الأخوين : يجوز نصب «الأرض» على أحد وجهين ، إمّا على المحل وإمّا على حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، فتكون «السّموات» منصوبة لفظا وموضعا لم يمتنع ولكن لم يقرأ به.
و «بالحقّ» متعلق به «خلق» على أنّ الباء سببيّة ، أو بمحذوف على أنّها حالية إمّا من الفاعل ، أي : محقّا ، أو من المفعول ، أي : متلبسة بالحق.
قوله «بالحقّ» تقدم نظيره في يونس (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) [يونس : ٥] أي : لم يخلق ذلك عبثا بل لغرض صحيح.
ثم قال ـ عزوجل ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) والمعنى : من كان قادرا على خلق السموات والأرض بالحق ، فبأن يقدر على [إفناء](٣) قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٣٢ والبحر المحيط ٥ / ٤٠٦ والدر المصون ٤ / ٢٥٩.
(٢) ينظر : السبعة ٣٦٢ والحجة ٥ / ٢٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ وحجة القراءات ٣٧٦ ، ٣٧٧ والإتحاف ٢ / ١٦٧ ، والمحرر الوجيز ٣ / ٣٣٢ والبحر المحيط ٥ / ٤٠٦ والدر المصون ٤ / ٢٥٩.
(٣) في أ : قيام.