كائنا من عذاب الله سبحانه وتعالى ، ويكون محمولا على المعنى ، تقديره : هل تمنعون عنا شيئا؟ويجوز أن يكون «شيء» واقعا موقع المصدر ، أي غناء ، فيكون (مِنْ عَذابِ اللهِ) متعلقا ب «مغنون» ، و «من» في (مِنْ شَيْءٍ) لاستغراق الجنس زائدة للتوكيد.
فصل
هذه التبعية يحتمل أن يكون المراد منها التبعية في الكفر ، ويحتمل أن يكون المراد منها التبعية في أحوال الدنيا ، فعند ذلك قال الذين استكبروا للضعفاء : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : معناه لو أرشدنا الله لأرشدناكم. قال الواحدي : معناه أنهم إنما دعوهم إلى الضلال ؛ لأن الله تعالى أضلهم فلم يهدهم ، فدعوا أتباعهم إلى الضلال ، ولو هداهم لدعوهم إلى الهدى.
قال الزمخشري (١) : لعلهم قالوا ذلك مع أنهم كذبوا فيه ، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن المنافقين : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ) [المجادلة : ١٨].
واعلم أن المعتزلة (٢) لا يجوزون صدور الكذب على أهل القيامة ، فكان هذا القول منه مخالفا لأصول مشايخه ، فلا يقبل.
وقال الزمخشري (٣) : يجوز أن يكون المعنى : لو كنا من أهل اللطف ، فلطف بنا ربنا فهدانا إلى الإيمان لهديناكم إلى الإيمان.
وذكر القاضي هذا الوجه وزيفه بأن قال : لا يجوز حمل هذا على اللطف ؛ لأن ذلك قد فعله الله تعالى.
وقيل : لو خلصنا الله من العذاب ، وهدانا إلى طريق الجنة ، لهديناكم ؛ بدليل أن هذا هو الذي التمسوه وطلبوه.
قوله : (سَواءٌ عَلَيْنا) إلى آخره فيه قولان :
أحدهما : أنه من كلام المستكبرين.
والثاني : أنه من كلام المستكبرين والضعفاء معا ، وجاءت كل جملة مستقلة من غير عاطف دلالة على أن كلّا من المعاني مستقل بنفسه كاف في الإخبار ، وقد تقدّم الكلام في التسوية والهمزة بعده في أول البقرة.
والجزع : عدم احتمال الشدّة ، قال امرؤ القيس : [الطويل]
٣٢٠٦ ـ جزعت ولم أجزع من البين مجزعا |
|
وعزّيت قلبا بالكواعب مولعا (٤) |
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٤٩.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٨٦.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٤٩.
(٤) ينظر : ديوانه (٩٩) ، البحر المحيط ٥ / ٤٠٤ ، الدر المصون ٤ / ٢٦١.