فصل
قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) كلمة التوحيد ، وهي قوله : لا إله إلا الله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني قبل الموت ، (وَفِي الْآخِرَةِ) يعني في القبر هذا قول أكثر المفسرين.
وقيل : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) في القبر عند السؤال (وَفِي الْآخِرَةِ) عند البعث ، والأول أصح ، لما روى البراء بن عازب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، فذلك قوله سبحانه (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) قال حين يقال له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : الله ربّي ، وديني الإسلام ، ونبيّي محمّد» (١). والمشهور أن هذه الآية وردت في سؤال الملكين في القبر ، فيلقّن الله المؤمن كلمة الحق في القبر عند السؤال ، ويثبته على الحق.
ومعنى «الثّابت» هو أنّ الله ـ تعالى ـ إنّما يثبتهم في القبر لمواظبتهم في الحياة الدنيا على هذا القول.
قوله : «بالقول» فيه وجهان :
أحدهما : تعلقه ب «يثبّت».
والثاني : أنه متعلق ب «آمنوا».
وقوله تعالى : (فِي الْحَياةِ) متعلق ب «يثبّت» ويجوز أن يتعلق ب «الثّابت».
ثمّ قال تعالى : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) أي : لا يهدي المشركين للجواب بالصواب في القبر (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) من التوفيق ، والخذلان والتثبيت ، وترك التثبيت.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) (٣٠)
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) الآية اعلم أنّه ـ تعالى ـ عاد إلى وصف الكافرين فقال ـ عزوجل ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا).
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) هم والله كفار قريش «بدّلوا» أي : غيروا «نعمة الله» عليهم في محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حيث ابتعثه الله
__________________
(١) أخرجه البخاري ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، في الجنائز : باب ما جاء في عذاب القبر (١٣٦٩) ، (٤٦٩٩) ، ومسلم ٤ / ٢٢٠١ ـ ٢٢٠٢ في الجنة وصفة نعيمها باب عرض مقعد الميت في الجنة أو النار عليه (٧٣ / ٢٨٧١) ، (٧٤ / ٢٨٧١).