أن يقدر متصلا سألتموهوه ، أو منفصلا سألتموه إيّاه ، وكلاهما لا يجوز فيه الحذف لما تقدم أول البقرة في قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
وقرأ ابن عباس ، ومحمد بن علي ، وجعفر (١) بن محمد ، والحسن ، والضحاك ، وعمرو بن فائد وقتادة ، وسلام ، ويعقوب ، ونافع ـ رضي الله عنهم ـ في رواية : «من كلّ» منونة ، وفي «ما» على هذه القراءة وجهان :
أحدهما : أنّها نافية ، وبه بدأ الزمخشري ، فقال : و «ما سألتموه» نفي ومحله النّصب على الحال ، أي : آتاكم من جميع ذلك غير سائلين.
قال شهاب الدين (٢) : ويكون المفعول الثاني هو الجار من قوله : «من كلّ» كقوله تعالى (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ١٦].
والثاني : أنها موصولة بمعنى الذي ، وهي المفعول الثاني ل «آتاكم».
وهذا التخريج الثاني أولى ؛ لأنّ في الأول منافاة في الظاهر لقراءة العامة.
قال أبو حيّان (٣) : «ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة ، وبين تلك قال: ويجوز أن تكون : «ما» موصولة على : وآتاكم من كلّ ذلك ما احتجتم إليه ، ولم تصلح أحوالكم ولا معايشكم إلا به ، فكأنكم طلبتموه ، وسألتموه بلسان الحال فتأول : «ما سألتموه» بمعنى ما احتجتم إليه».
فصل
اعلم أنّه ـ تعالى ـ بدأ بذكر خلق السموات ، والأرض ، لأنهما الأصلان اللذان يتفرع عليهما سائر الأدلة المذكورة بعده.
ثمّ قال : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) فإنّه لو لا السماء لم يصحّ إنزال الماء منها ، ولو لا الأرض لم يوجد ما يستقر الماء فيه ، فلا بد من وجودهما حتى يصح هذا المقصود.
واعلم أنّ الماء إنّما ينزل من السّحاب إلى الأرض ، وسمي السحاب سماء اشتقاقا من السمو ؛ وقيل : ينزل من السماء إلى السحاب ، ثم ينزل من السحاب إلى الأرض ثم قال تعالى : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ).
قال أبو مسلم ـ رحمهالله ـ : لفظ «الثّمرات» يقع في الأغلب على ما يحصل من الأشجار ، ويقع أيضا على الزّرع والنبات ، كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤١].
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٤٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٤١٦ والدر المصون ٤ / ٢٧٢.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٧٢.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤١٦.