قبل التوبة ، والأول والثاني باطلان ؛ لأن قوله : (وَمَنْ عَصانِي) اللفظ فيه مطلق ، فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر ، وأيضا فالصغائر والكبائر بعد التوبة](١) واجبة الغفران عند الخصوم ، فلا يمكن حمل اللفظ عليه ؛ فثبت أنّ هذه الشفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التّوبة.
وإذا ثبت حصول الشفاعة لإبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ثبت حصولها لمحمّد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ لأنه لا قائل بالفرق ، ولأنّ الشفاعة أعلى المناصب ، فلو حصلت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ـ مع أنّها لم تحصل لمحمّد صلىاللهعليهوسلم كان ذلك نقصا في حقّ محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قوله : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) يجوز أن يكون هذا الجار صفة لمفعول محذوف ، أي : أسكنت ذرية من ذريتي ، ويجوز أن تكون «من» مزيدة عند الأخفش.
«بواد» أي : في واد ، وهو مكّة ؛ لأن مكّة واد بين جبلين.
وقوله : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) كقوله (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) [الزمر : ٢٨].
قوله : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) يجوز أن تكون صفة ل «واد».
وقال أبو البقاء (٢) : يجوز أن يكون بدلا منه ، يعني أنّه يكون بدل بعض من كل ؛ لأنّ الوادي أعم من حضرة البيت.
وفيه نظر ، من حيث أن «عند» لا يتصرف.
فصل
سماه محرّما ؛ لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره.
وقيل : لأنّ الله حرم التعرض له ، والتهاون به. وقيل : لأنه لم يزل ممتنعا عزيزا يهابه كل جبّار كالشيء المحرّم الذي يجب أن يجتنب.
وقيل : لأنه حرّم من الطوفان ، أي : منع منه ، كما يسمى عتيقا ؛ لأنه أعتق من الطوفان وقيل : لأن موضع البيت حرم يوم خلق الله السموات ، والأرض وحفّ بسبعة من الملائكة وجعل مثل البيت المعمور الذي بناه آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فرفع إلى السّماء.
وقيل : إنّ الله حرّم على عباده أن يقربوه الدماء ، والأقذار وغيرها.
قوله «ليقيموا» : يجوز أن تكون هذه اللام لام الأمر ، وأن تكون لام علة ، وفي متعلقها
حينئذ [وجهان](٣) :
أحدهما : أنها متعلقة ب «أسكنت» وهو ظاهر ، ويكون النداء معترضا.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٩.
(٣) في أ : قولان.