[الظّرفية](١) ، كأنّه قيل : وجاءوا فوق قميصه بدم ، كما تقول : جاءوا على جماله بأحمال».
قال أبو حيان (٢) : ولا يساعد المعنى على نصب «على» على الظرفية ، بمعنى : فوق لأن العامل فيه إذ ذاك «جاءوا» وليس الفوق ظرفا لهم [بل يستحيل أن يكون ظرفا لهم].
وهذا الردّ هو الذي ردّ به على الحوفيّ في قوله : إنّ «على» متعلقة (٣) ب : «جاءوا».
ثمّ قال أبو حيان ـ رحمهالله ـ : «وأمّا المثال الذي ذكره وهو : [جاء](٤) على جماله بأحمال ، فيمكن أن يكون ظرفا للجائي ؛ لأنّه تمكن الظرف فيه باعتبار تبدّله من حمل إلى حمل ، ويكون «بأحمال» في موضع الحال ، أي : مصحوبا بأحمال».
وقرأ العامّة : «كذب» بالذّال المعجمة ، وهو من الوصف بالمصادر ، فيمكن أن يكون على سبيل المبالغة ، نحو : «رجل عدل».
وقال الفراء ، والمبرّد والزجاج ، وابن الأنباريّ : «بدم كذب» ، أي : مكذوب فيه ، إلا أنّه وصف بالمصدر ، جعل نفس الدّم كذبا ؛ للمبالغة ، قالوا : والمفعول ، والفاعل يسميان بالمصدر ، كما يقال : ماء سكب ، أي : مسكوب ، والفاعل كقوله : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [الملك : ٣٠] ولما سمّيا بالمصدر سمي المصدر بهما ، فقالوا للعقل : المعقول ، وللجلد : المجلود ، ومنه قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [القلم : ٦] أو على حذف مضاف ، أي : ذي كذب ، نسب فعل فاعله إليه.
وقرأ زيد (٥) بن عليّ : «كذبا» بالنصب ، فاحتمل أن يكون مفعولا من أجله ، واحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال ، وهو قليل ، أعني : مجيء الحال من النكرة ، وقرأت عائشة (٦) والحسن ـ [رضي الله عنهما] ـ : «كدب» بالدّال المهملة.
قال صاحب اللّوامح : «معناه : ذي كدب ، أي : أثر ؛ لأنّ الكدب هو بياض ، يخرج في [أظافير الشبان](٧) ويؤثر فيها ، فهو كالنقش ، ويسمى ذلك البياض : الفوف ، فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص ، كتأثير ذلك في الأظافر».
وقيل : هو الدّم الكدر ، وقيل : الطّريّ ، وقيل : اليابس.
فصل
قال الشعبيّ : قصة يوسف كلّها في قميصه ، وذلك أنّهم لمّا ألقوه في الجبّ ، نزعوا
__________________
(١) في أ : الظرف.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٩.
(٣) في ب : متعلق.
(٤) في ب : جاؤوا.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٨٩ ، والدر المصون ٤ / ١٦٣.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٥١ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٢٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٩ والدر المصون ٤ / ١٦٣.
(٧) في ب : أظافر الشباب.