قميصه ، ولطّخوه بالدّم ، وعرضوه على أبيه ، ولمّا شهد الشّاهد قال : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف : ٢٧ ـ ٢٨] وقال : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) [يوسف : ٩٣] ولما أتى البشير إلى يعقوب بقميصه ، وألقي على وجهه ، فارتدّ بصيرا (١).
قال القرطبيّ (٢) : «هذا مردود ، فإنّ القميص الذي جاءوا عليه بالدّم ، غير القميص الذي قدّ ، وغير القميص الذي أتى به البشير ، وقيل : إنّ القميص الذي أتى به البشير إلى يعقوب ، فارتدّ بصيرا هو القميص الذي قدّ من دبر».
فصل
قال بعض العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : لمّا أرادوا أن يجعلوا الدّم علامة على صدقهم ؛ قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها ، وهي سلامة القميص من التّخريق ، إذ لا يمكن افتراس الذّئب ليوسف ، وهو لابس القميص ، ويسلم القميص من التّخريق ولمّا تأمّل يعقوب ـ عليهالسلام ـ القميص لم يجد فيه خرقا ، ولا أثرا ، استدلّ بذلك على كذبهم ، وقال لهم : تزعمون أن الذّئب أكله ، ولو أكله لشقّ قميصه.
فصل
استدلّ العلماء بهذه [الآية](٣) في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة (٤)
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ٨٢).
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ٩٩.
(٣) في ب : الآيات.
(٤) (القسامة) بفتح القاف وتخفيف السّين ، مشتقّة من القسم والإقسام وهو اليمين ؛ قال الشافعية وابن فارس والجوهري وجماعة من أهل اللّغة : القسامة اسم للأيمان ، وقال الأزهري : القسامة اسم للأولياء الّذين يحلفون على استحقاق دم القتيل ، ونقل الرّافعي عن الأئمّة أنّ القسامة في اللّغة اسم للأولياء. وفي لسان الفقهاء : اسم للأيمان ؛ وهذا النقل عن أهل اللغة ليس قول كلهم بل بعضهم كما ذكرناه ، والصّحيح أنّها اسم للأيمان.
تنوعت آراء العلماء في مشروعية القسامة والحكم بها ـ على قولين الأول :
يقول بمشروعية القسامة ووجوب العمل بها جمهور العلماء من السلف والخلف منهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي والمغيرة بن شعبة وابن الزبير ، ومعاوية ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وجملة من الصحابة ، والحسن وشريح ، والشعبي ، وسفيان الثوري ، وسعيد بن المسيب ، والزهري وعروة بن الزبير ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان وأبي حنيفة ، ومالك والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وداود الظاهري وابن حزم.
والقول الثاني لا يرى مشروعية القسامة وعدم العمل بها وهو قول سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبي قلابة ، وإبراهيم بن علية ، والناصر وقتادة ومسلم بن خالد.
استدل كل مذهب على صحة مدعاه بالسنة والأثر فمن السنة :