أنّ مكرهم الذي مكروه جزاؤه عند الله ، أو للمفعول ، بمعنى أن عند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، أي : يعذبهم قالهما الزمخشريّ.
قال أبو حيان (١) : «وهذا لا يصحّ إلّا إن كان «مكر» يتعدى بنفسه كما قال هو إذ قد يمكرهم به ، والمحفوظ أن «مكر» لا يتعدّى إلى مفعول به بنفسه ، قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠] وتقول : زيد ممكور به ، ولا يحفظ : زيد ممكور بسبب كذا.
قوله : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) قرأ العامة بكسر لام «لتزول» الأولى ، والكسائي بفتحها (٢).
فأما القراءة الأولى ، ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها نافية ، واللام بعدها لام الجحود ؛ لأنّها بعد كون منفيّ ، وفي «كان» حينئذ قولان :
أحدهما : أنّها تامّة ، والمعنى ؛ تحقير مكرهم ، وأنّه ما كان لتزول منه الشّرائع التي كالجبال في ثبوتها وقوّتها (٣).
ويؤيد كونها نافية قراءة عبد الله : (وما كان مكرهم).
القول الثاني : أنّها ناقصة ، وفي خبرها القولان المشهوران بين البصريين والكوفيين ، هل هو محذوف ، واللام متعلقة به؟ وإليه ذهب البصريون ، أو هو اللام ، وما جرته كما [هو مذهب](٤) الكوفيين؟ وقد تقرّر هذا في آخر آل عمران.
الوجه الثاني : أن تكون المخففة من الثقيلة.
قال الزمخشري (٥) : «وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة ، فضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه وشدته ، أي : وإن كان مكرهم معدّا لذلك».
وقال ابن عطية (٦) : «ويحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءة : تعظيم مكرهم ، أي : وإن كان شديدا إنما يفعل ليذهب به عظام الأمور» ، فمفهوم هذين الكلامين أنها مخففة ؛ لأنّه إثبات.
والثالث : أنها شرطية ، وجوابها محذوف ، أي : وإن كان مكرهم مقدرا لإزالة أشباه
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٢٥.
(٢) ينظر : الحجة ٥ / ٣١ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ وحجة القراءات ٣٧٩ والإتحاف ٢ / ١٧١ والمحرر الوجيز ٣ / ٣٤٦ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٦ والدر المصون ٤ / ٢٧٩.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٦٦ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٦ والدر المصون ٤ / ٢٨٠.
(٤) في أ : ذهب إليه.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٦٥.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٤٦.