الجبال الرّواسي ، وهي المعجزات ، والآيات ، فالله مجازيهم بمكرهم ، وأعظم منه.
وقد رجّح الوجهان الأخيران على الأوّل ، وهو : أنها نافية ؛ لأنّ فيه معارضة لقراءة الكسائي في ذلك ؛ لأنّ قراءته تؤذن بالإثبات ، وقراءة غيره تؤذن بالنّفي.
وقد أجاب بعضهم عن ذلك : بأنّ الجبال في قراءة الكسائي مشار بها إلى أمور عظام غير الإسلام ، ومعجزاته لمكرهم صلاحية إزالتها ، وفي قراءة الجماعة مشار بها إلى ما جاء به النبيّ المختار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من الدين الحق ، فلا تعارض إذ لم يتوارد على معنى واحد نفيا ، وإثباتا.
وأمّا قراءة الكسائيّ ففي : «إن» وجهان :
مذهب البصريين أنّها المخففة واللام فارقة ، ومذهب الكوفيين أنّها نافية ، واللام بمعنى : «إلّا» وقد تقدّم تحقيق المذهبين.
وقرأ عمر ، وعلي ، وعبد الله (١) ، وزيد بن علي ، وأبو سلمة وجماعة ـ رضي الله عنهم ـ (وإن كاد مكرهم لتزول) كقراءة الكسائي ، إلّا أنهم جعلوا مكان نون : «كان» دالا ، فعل مقاربة ، وتخريجها كما تقدّم ، ولكن الزوال غير واقع.
وقرىء : «لتزول» (٢) بفتح اللامين ، وتخريجها على إشكالها أنها جاءت على لغة من لا يفتح لام كي.
فصل
في الجبال التي عني زوالها بمكرهم وجهان :
أحدهما : جبال الأرض.
الثاني : الإسلام ، والقرآن ؛ لأنّ ثبوته ، ورسوخه كالجبال.
وقال القشيريّ : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي : هو عالم بذلك فيجازيهم ، أو عند الله جزاء مكرهم فحذف المضاف.
قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) لما بين في الآية الأولى أنه ينتصر للمظلوم من الظّالم بين هاهنا أنه لا يخلف الوعد.
قوله : (مُخْلِفَ وَعْدِهِ) العامة على إضافة : «مخلف» إلى «وعده» وفيها وجهان :
أظهرهما : أن «مخلف» يتعدّى لاثنين كفعله ، فقدم المفعول الثاني ، وأضيف إليه اسم الفاعل تخفيفا ، نحو : هذا كاسي جبّة زيد.
قال الفراء وقطرب : لما تعدّى إليهما جميعا ، لم يبال بالتقديم والتأخير.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٤٦ والبحر المحيط ٥ / ٤٢٥ والدر المصون ٤ / ٢٨٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٢٦ والدر المصون ٤ / ٢٨٠.