والثاني : أن تجعل الجارّ مقدما ، و «كتاب» مبتدأ ، والجملة حال ، وهذه الحال لازمة.
الوجه الثاني : أنّ الواو مزيدة ، ويؤيده قراءة (١) ابن أبي عبلة : «إلّا لها» بإسقاطها ، والزيادة ليست بالسهلة.
الثالث : أن الواو داخلة على الجملة الواقعة صفة ؛ تأكيدا ، قال الزمخشريّ : والجملة واقعة صفة ل «قرية» ، والقياس : ألّا تتوسط هذه الواو بينهما ؛ كما في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء : ٢٠٨] وإنما توسّطت ، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف ؛ كما تقول : «جاءني زيد عليه ثوبه ، وجاءني وعليه ثوبه».
وقد تبع الزمخشري في ذلك أبا البقاء ، وقد سبق له ذلك ـ أيضا ـ في البقرة عند قوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦].
قال أبو حيّان ـ رحمهالله ـ : «ولا نعلم أحدا قاله من النّحويين».
قال شهاب الدين (٢) : «وفي محفوظي أنّ ابن جنّي سبقهما إلى ذلك».
ثم قال أبو حيان (٣) : «وهو مبنيّ على جواز أنّ ما بعد «إلّا» يكون صفة ؛ وقد منعوا ذلك».
قال الأخفش : لا يفصل بين الصفة والموصوف ب «إلا» ، ثم قال : وأما نحو : «ما جاءني رجل إلّا راكب» على تقدير : إلّا رجل راكب ، ففيه قبح ؛ لجعلك الصفة كالاسم.
وقال أبو علي : تقول ما مررت بأحد إلّا قائما ، وقائما حال ، ولا تقول : إلّا قائم ؛ لأنّ «إلّا» لا تعترض بين الصّفة والموصوف.
قال ابن مالك : ـ وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشريّ في قوله «ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه» : إنّ الجملة بعد «إلّا» صفة ل «أحد» ـ : إنه مذهب لا يعرف لبصريّ ، ولا كوفي فلا يلتفت إليه ، وأبطل قوله : «إنّ الواو توسّطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف».
قال شهاب الدين ـ رحمهالله ـ : قول الزمخشريّ قويّ من حيث القياس ؛ فإنّ الصفة في المعنى كالحال ، وإن كان بينهما فرق من بعض الوجوه.
فكما أنّ الواو تدخل على الجملة الواقعة حالا ؛ كذلك تدخل عليها واقعة صفة ، ويقويه ـ أيضا ـ [نصره] (٤) به من الآية الأخرى في قوله : (مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) [الشعراء : ٢٠٨]. ويقويه ـ أيضا ـ : قراءة ابن أبي عبلة المتقدمة ، وقال منذر بن سعيد : هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ ، هي في الزمن قبل الحالة التي
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٥٠ والبحر المحيط ٥ / ٤٣٤ والدر المصون ٤ / ٢٨٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٨٧.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٣٤.
(٤) في ب : ظهر.