(تَذَكَّرُونَ) [الأنعام : ١٥٢] ، ونحوه ، وهو موافق لقوله سبحانه وتعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤].
وقرأ زيد بن علي : «ما نزل» مخففا مبنيّا للفاعل ، و «الملائكة» مرفوعة على الفاعلية ، وهو كقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٣].
قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) يجوز تعلقه بالفعل قبله ، أو بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول ، أي : متلبسين بالحق ، وجعله الزمخشري ـ رحمهالله ـ نعتا لمصدر محذوف ، أي : إلّا تنزّلا ملتبسا بالحقّ.
قوله «إذن» قال الزمخشري (١) : «إذن حرف جواب وجزاء ؛ لأنها جواب لهم ، وجزاء الشرط مقدر ، تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين ، وما أخر عذابهم».
قال صاحب النظم : «لفظة «إذن» مركبة من «إذ» ، وهو اسم بمنزلة «حين» ؛ تقول : أتيتك إذ جئتني ، أي : حين جئتني ، ثم ضم إليها «أن» فصار : إذ أن ، ثم استثقلوا الهمزة ؛ فحذفوها ، فصار «إذن» ، ومجيء لفظة «أن» دليل على إضمار فعل بعدها ، والتقدير : وما كانوا منظرين إذ كان ما طلبوا».
قوله : «نحن» إما مبتدأ ، وإما تأكيد ، ولا يكون فصلا ؛ لأنه لم يقع بين اسمين ، والضمير «له» للذكر ، وهو الظاهر ، وقيل : للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قاله الفراء ، وقوّاه ابن الأنباري ، قال : لما ذكر الله الإنزال ، والمنزل ، دلّ ذلك على المنزل عليه ، فحسنت الكناية عنه ؛ لكونه أمرا معلوما ، كما في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] ، فإنّ هذه الكناية عائدة على القرآن ، مع أنه لم يتقدم ذكره ؛ وإنما حسنت الكناية لسبب معلوم ، فكذا هاهنا ، والأول أوضح».
فإذا قلنا : الكناية عائدة إلى القرآن ، فاختلفوا في أنه ـ تعالى ـ كيف يحفظ القرآن؟.
فقيل : بأن جعله معجزا مباينا لكلام البشر يعجز الخلق عن الزيادة ، والنقصان فيه ، بحيث لو زادوا فيه أو نقصوا عنه ، يغير نظم القرآن.
وقيل : صانه ، وحفظه من أن يقدر أحد من الخلق على معارضته.
وقيل : قيّض جماعة يحفظونه ، ويدرسونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكليف.
وقيل : المراد بالحفظ : هو أنّه لو أنّ أحدا حاول بتغيير حرف أو نقطة ، لقال له أهل الدنيا : هذا كذب ، وتغيير لكلام الله ـ تعالى ـ حتى أن الشيخ المهيب لو اتّفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله ـ تعالى ـ ، لقال له كل الصبيان : أخطأت أيّها الشيخ ، وصوابه كذا وكذا.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٢.