قوله : (وَما يَأْتِيهِمْ) قال الزمخشري (١) : «حكاية حال ماضية ؛ لأنّ «ما» لا تدخل على المضارع إلّا وهو في موضع الحال ، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال».
وهذا الذي ذكره هو الأكثر في لسانهم ؛ لكنّه قد جاءت ما مقارنة للمضارع المراد به الاستقبال ؛ كقوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) [يونس : ١٥] ، وأنشدوا للأعشى يمدح النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [الطويل]
٣٢٦٦ ـ له نافلات ما يغبّ نوالها |
|
وليس عطاء اليوم مانعه غدا (٢) |
وقال أبو ذؤيب : [الكامل]
٣٢٦٧ ـ أودى بنيّ وأودعوني حسرة |
|
عند الرّقاد وعبرة ما تقلع (٣) |
قوله : «إلا كانوا» هذه الجملة يجوز أن تكون حالا من مفعول «تأتيهم» ، ويجوز أن تكون صفة ل «رسول» فيكون في محلّها وجهان : الجرّ باعتبار اللفظ ، والرفع باعتبار الموضع ، وإذا كانت حالا فهي حال مقدّرة.
فصل في معنى الآية
المعنى : أنّ عادة هؤلاء الجهّال مع جميع الأنبياء والرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ الاستهزاء بهم ؛ كما فعلوا بك ؛ ذكره تسلية للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
واعلم أنّ السّبب الذي يحمل هؤلاء الجهال على هذه العادة الخبيثة : إما لأنّ الانتقال من المذاهب يشقّ على الطّباع.
وإمّا لكون الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يكون فقيرا ، وليس له أعوان ، ولا أنصار ؛ فالرؤساء يثقل عليهم خدمة من يكون بهذه الصّفة.
وأمّا خذلان الله تعالى لهم ، فبإلقاء دواعي الكفر والجهل في قلوبهم ، وهذا هو السبب الأصليّ.
قوله : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ، يجوز في الكاف أن تكون مرفوعة المحلّ على خبرها مبتدأ مضمر ، أي : الأمر كذلك ، و «نسلكه» مستأنف ، ويجوز أن
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧٢.
(٢) ينظر : الديوان ١٠٣ ، المغني ١ / ٢٩٣ ، شواهد المغني (٢٤٠) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٠ ، البحر المحيط ٥ / ٤٣٥ وروح المعاني ١٤ / ١٧ والدر المصون ٤ / ٢٩٠ وله أو للنابغة الجعدي في تخليص الشواهد ص ٢٢٧.
(٣) ينظر : ديوان الهذليين ١ / ٢ ، المفضليات ٢ / ٢٢١ ، الأشموني ٢ / ٢٨١ ، التصريح ٢ / ٦١ ، العيني ٣ / ٤٩٨ ، الجمهرة ٢٤١ ، خزانة الأدب ١ / ٤٢٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، لسان العرب «عقب» والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٨ ، أوضح المسالك ٣ / ١٩٧ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٣٥ ، والألوسي (١٤ / ١٧) ، والدر المصون ٤ / ٢٩٠.