وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٢٥)
قوله : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) الآية ، «جعلنا» : يجوز أن يكون بمعنى «خلقنا» فيتعلق به الجارّ ، وأن يكون بمعنى صيّرنا ؛ فيكون مفعوله الأول : «بروجا» ومفعوله الثاني : الجارّ ، فيتعلق بمحذوف ، و «للنّاظرين» متعلق ب «زينّاها» ، والضمير ل «السّماء» أي : زيّناها بالشّمس ، والقمر ، والنجوم.
وقيل : للبروج : وهي الكواكب ، زيّنّاها بالضوء ، والنظر عينيّ.
وقيل : قلبي وحذف متعلقه ؛ ليعمّ.
فصل في دلائل التوحيد السماوية والأرضية
لما أجاب عن منكري النبوة ، وقد ثبت أنّ القول بالنبوة فرع على القول بالتوحيد ، أتبعه ـ تعالى ـ بدلائل التوحيد وهي : منها سماويّة ، ومنها أرضية ، فبدأ بذكر السماوية ، فقال ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ).
قال اللّيث ـ رحمهالله ـ : البروج واحدها برج من بروج الفلك ، والبروج : هي النجوم الكبار ، مأخوذة من الظهور ، يقال : برجت المرأة ، أي : ظهرت ، وأراد بها المنازل التي تنزلها الشمس ، والقمر ، والكواكب السيارة.
والعرب تعدّ المعرفة بمواقع النّجوم ، وأبوابها من أجلّ العلوم ، ويستدلّون بها على الطّرقات ، والأوقات ، والخصب ، والجدب ، وقالوا : الفلك : اثنا عشر برجا ، كلّ برج ميلان ، ونصف للقمر.
وقال ابن عطية : هي قصور في السماء ، وعليها الحرس.
(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) مرجوم ، وقيل : ملعون.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات ، وكانوا يدخلونها ، ويأتون بأخبارها ؛ فيلقون على الكهنة ، فلما ولد عيسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ منعوا من ثلاث سماوات ، فلما ولد محمد صلىاللهعليهوسلم منعوا من السماوات أجمع ، فما منهم من أحد يريد استراق السمع ، إلّا رمي بشهاب (١).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٤٥) والرازي (١٩ / ١٣٤).