العلم بنبوته ، نقطع بأن الله عجّز الشياطين عن تلقف الغيب ، وبهذا الطريق يندفع الدّور».
قوله : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) «الأرض» : نصب على الاشتغال ، ولم يقرأ بغيره ؛ لأنه أرجح من حيث العطف على جملة فعلية قبلها ، وهي قوله : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً).
وقال أبو حيّان (١) : «ولما كانت هذه الجملة بعدها جملة فعلية ، كان النّصب أرجح من الرفع».
قال شهاب الدين (٢) : لم يعدّوا هذا من القرائن المرجحة للنصب ، وإنما عدوا عطفها على جملة فعلية قبلها ، لا عطف جملة فعلية عليها ، ولكنه القياس ، إذ يعطف فيه فعلية على مثلها ، بخلاف ما لو رفعت ، إذ تعطف فعلية على اسمية ، لكنهم لم يعتبروا ذلك.
والضمير في «فيها» : للأرض. وقيل : للرّواسي. وقيل : لهما.
فصل
لما شرح الدلائل السماوية في تقرير التّوحيد ، أتبعها بذكر الدلائل الأرضية وهي أنواع :
الأول : قوله : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) قال ابن عباس : بسطناها على وجه الماء ، وبسطت من تحت الكعبة (٣).
النوع الثاني : قوله : (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) وهي الجبال الثوابت واحدها راس ، والجمع راسية وجمع الجمع رواسي ، قال ابن عباس : لما بسط الله الأرض على الماء ، مالت بأهلها كالسفينة ؛ فأرساها الله بالجبال ؛ لكيلا تميل بأهلها (٤).
النوع الثالث : قوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) ، يجوز في «من» أن تكون تبعيضية ، وهو الصحيح ، وأن تكون مزيدة عند الكوفيين ، والأخفش ، والضمير في قوله : «فيها» يحتمل أن يكون راجعا إلى الأرض ، وأن يكون راجعا إلى الجبال الرواسي ، إلّا أنّ رجوعها إلى الأرض أولى ؛ لأن أنواع النبات المنتفع بها ، إنما تتولّد في الأرض ، وأما الجبلية ، فقليلة النفع.
وقيل : رجوع الضمير إلى الجبال أولى ؛ لأنّ المعادن من الذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، وغيرها ؛ إنّما تتولد في الجبال ، والأشياء الموزونة في العرف والعادة ، هي المعادن لا النبات.
وفي المراد بالموزون وجوه :
قيل : المقّدر بقدر الحاجة ، أي : أنّ الله ـ تعالى ـ يثبت ذلك المقدار بقدر ما يحتاج
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٣٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٣٥).
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٠ / ١٠).