علمه بتقدّمهم ، وتأخرهم ، في الحدوث ، والوجود في الطاعات وغيرها ؛ فلا ينبغي أن تخص بحالة دون حالة.
ثم قال تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) على ما علم منهم ، وذلك تنبيه على أنّ الحشر ، والنشر ، والبعث ، والقيامة ، أمر واجب (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي : أنّ الحكمة تقتضي وجوب الحشر ، والنشر ، على ما تقرر في أول سورة يونس ـ عليهالسلام ـ.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(٤٤)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) الآية هذا هو النوع السابع من دلائل التوحيد ؛ لأنه ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أوّل لها ، وإذا ثبت هذا وجب انتهاء الحوادث إلى حادث أوّل ، هو أول الحوادث ، وإذا كان كذلك ، وجب انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس ، وذلك الإنسان الأول ، غير مخلوق من الأبوين ؛ فيكون مخلوقا ـ لا محالة ـ بقدرة الله ـ تعالى ـ.
فقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) إشارة إلى ذلك الإنسان الأول ، وأجمع المفسرون على أن المراد آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
ونقل في كتب الشّيعة ، عن محمد بن علي الباقر ، أنّه قال : قد انقضى قبل آدم ـ صلوات الله عليه ـ الذي هو أبونا ألف ألف آدم ، أو أكثر.
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله ـ : «وهذا لا يقدح في حدوث العالم ، بل الأمر كيف كان لا بدّ من الانتهاء إلى إنسان أول ، هو أول الناس ، فأما أن ذلك الإنسان الأول هو أبونا آدم ، فلا طريق له إلّا من جهة السمع».
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ١٤٢.