قال ابن الخطيب (١) : «ولعلّ القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل».
(وَآتَيْناهُمْ) يعني النّاقة ، وولدها ، والبئر ، والآيات في النّاقة : خروجها من الصّخرة ، وعظم خلقها ، وظهور نتاجها عند خروجها ، وقرب ولادتها ، وغزارة لبنها ، وأضاف الإيتاء إليهم ، وإن كانت النّاقة آية صالح ؛ لأنّها آيات رسولهم ، فكانوا عنها معرضين ؛ فذلك يدلّ على أنّ النّظر ، والاستدلال واجب ، وأنّ التقليد مذموم.
(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) تقدّم كيفيّة النّحت في الأعراف (٢) : [٧٤] ، وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : بفتح الحاء.
«ءامنين» من عذاب الله.
وقيل : آمنين من الخراب ، ووقوع السّقف عليهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ، أي : صيحة العذاب «مصبحين» ، أي وقت الصّبح.
قوله : «فما أغنى» يجوز أن تكون نافية ، أو استفهامية فيها [معنى] التعجب ، وقوله : «ما كانوا» يجوز أن تكون «ما» مصدرية ، أي : كسبهم ، أو موصوفة ، أو بمعنى «الّذي» ، والعائد محذوف ، أي : شيء يكسبونه ، أو الذي يكسبونه.
فصل
وروى البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا نزل الحجر في غزوة تبوك ، أمرهم ألّا يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها ، فقال واحد : عجنّا ، وأستقينا ، فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يهريقوا ذلك الماء ، وأن يطرحوا ذلك العجين» ، وفي رواية : «وأن يعلفوا الإبل العجين» (٣).
وفي هذا دليل على كراهة دخول تلك المواضع ، وعلى كراهة دخول مقابر الكفار ، وعلى تحريم الانتفاع بالماء المسخوط عليه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أمرهم بإهراقه وطرح العجين ، وهكذا حكم الماء النّجس ، ويدلّ على أنّ ما لا يجوز استعماله من الطعام ، والشراب ، يجوز أن يعلفه البهائم.
قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) الآية. لما ذكر إهلاك الكفّار ، فكأنه قيل : كيف يليق الإهلاك بالرحيم؟.
فأجاب : بأني ما خلقت الخلق إلا ليشتغلوا بعبادي ، كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] فإذا تركوها ، وأعرضوا عنها ؛ وجب في الحكمة إهلاكهم ، وتطهير وجه الأرض منهم.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ١٦٣.
(٢) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٧٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٥١.
(٣) أخرجه البخاري (٦ / ٤٧٨) كتاب أحاديث الأنبياء حديث (٣٣٨٠).