والثاني : صيغة جمع ، واحده مثناة ، والمثناة : كل شيء يثنّى ، أي : يجعل اثنين من قولك : ثنيت الشّيء ثنيا ، أي : عطفته ، أو ضممت إليه آخر ، ومنه يقال لركبتي الدّابة ومرفقيها مثاني ؛ لأنها تثنى بالفخذ ، والعضد ؛ ومثاني الوادي معاطفه.
وإذا عرف هذا ، فقوله : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تثنى ، وهذا القدر مجمل ، ولا سبيل إلى تعيينه ، إلا بدليل منفصل ، وللنّاس فيه أقوال :
أحدها : قال عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبو هريرة ، والحسن ، وأبو العالية ، ومجاهد والضحاك ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ـ رضي الله عنهم ـ : إنه فاتحة الكتاب (١).
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ فاتحة الكتاب ، وقال : «هي السّبع المثاني» (٢).
وإنّما سمّيت بالسّبع ؛ لأنها سبع آيات ، وفي تسميتها بالمثاني وجوه :
أولها : قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ والحسن ، وقتادة : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كلّ ركعة (٣).
ثانيها : قال الزجاج : لأنّها تثنى مع ما يقرأ معها.
وثالثها : لأنها قسمت قسمين : نصفها ثناء ، ونصفها دعاء ، كما ورد في الحديث المشهور.
ورابعها : قال الحسين بن الفضل : لأنّها نزلت مرّتين ، مرة بمكّة ، ومرة بالمدينة (٤).
وخامسها : لأنّ كلماتها مثناة ، مثل : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
وفي قراءة عمر : (غير المغضوب عليهم وغير الضالين).
نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنّه قال : كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لا يكتب في مصحفه فاتحة الكتاب ؛ رأى أنّها ليست من القرآن (٥).
قال ابن الخطيب : «لعلّ حجّته أنه عطف السّبع المثاني على القرآن والمعطوف مغاير للمعطوف عليه ؛ فوجب أن تكون غير القرآن العظيم» (٦) ، ويشكل هذا بقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب : ٧] ، وكذلك قوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨].
__________________
(١) تقدمت في سورة الفاتحة.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٦٥).
(٦) سقط من : ب.