تقول : رأيت كالقمر في الحسن ، أي : رأيت إنسانا كالقمر في الحسن ، وأمّا الحذف ، فهو أن يقال : الكاف زائدة محذوفة ، والتقدير : إني أنا النذير [المبين ما](١) أنزلناه على المقتسمين ، وزيادة الكاف له نظير ، وهو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
الثامن : أنه منصوب نعتا لمفعول به مقدر ، والناصب لذلك المحذوف مقدر أيضا لدلالة لفظ «النّذير» عليه ، أي : أنذركم عذابا مثل العذاب المنزّل على المقتسمين ، وهم قوم صالح ، أو قريش ، قاله أبو البقاء (٢) ـ رحمهالله ـ وكأنه فرّ من كونه منصوبا بلفظ «النّذير» كما تقدّم من الاعتراض البصريّ.
وقد ردّ ابن (٣) عطية على القول السادس بقوله : والكاف في قوله : «كما» متعلقة بفعل محذوف ، تقديره : وقل إنّي أنا النذير المبين عذابا كما أنزلنا ، فالكاف : اسم في موضع نصب ، هذا قول المفسّرين.
وهو غير صحيح ؛ لأنّ : «كما أنزلنا» ليس ممّا يقوله محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بل هو من كلام الله ـ تعالى ـ فيفصل الكلام ، وإنّما يترتب هذا القول بأن يقدر أن الله ـ تعالى ـ قال له : أنذر عذابا كما.
والذي أقول في هذا المعنى : «وقل إنّي أنا النذير المبين كما قال قبلك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك».
ويحتمل أن يكون المعنى : وقل : إنّي أنا النّذير المبين ، كما قد أنزلنا في الكتب أنّك ستأتي نذيرا على أن المقتسمين ، هم أهل الكتاب ، وقد اعتذر بعضهم عمّا قاله أبو محمد فقال : الكاف متعلقة بمحذوف دلّ عليه المعنى ، تقديره : أنا النذير بعذاب مثل ما أنزلنا ، وإن كان المنزل الله ، كما تقول بعض خواصّ الملك : أمرنا بكذا ، وإن كان الملك هو الآمر.
وأما قول أبي محمد : «وأنزلنا عليهم ، كما أنزلنا عليك» ؛ كلام غير منتظم ، ولعلّ أصله : وأنزلنا عليك كما أنزلنا عليهم ، كذا أصلحه أبو حيان. وفيه نظر ، كيف يقدر ذلك ، والقرآن ناطق بخلافه ، وهو قوله : (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ).
التاسع : أنه متعلق بقوله : «لنسألنّهم» تقديره : لنسألنّهم أجمعين ، مثل ما أنزلنا.
العاشر : أنّ الكاف مزيدة ، تقديره : أنا النذير ما أنزلناه على المقتسمين.
ولا بد من تأويل ذلك على أنّ «ما» مفعول ب «النذير» عند الكوفيين ، فإنّهم يعملون الوصف للموصوف ، أو على إضمار فعل لائق أي : أنذركم ما أنزلناه كما يليق بمذهب البصريين.
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٧٧.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٧٤.