الحادي عشر : أنه متعلق ب «قل» ، التقدير : وقل قولا كما أنزلنا على المقتسمين أنك نذير لهم ، فالقول للمؤمنين في النّذارة كالقول للكفّار المقتسمين ؛ لئلا يظنّوا أنّ إنذارك للكفار مخالف لإنذار المؤمنين ، بل أنت في وصف النذارة لهم بمنزلة واحدة ، تنذر المؤمن ، كما تنذر الكافر ، كأنه قال : أنا النذير المبين لكم ، ولغيركم.
فصل
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المقتسمون : هم الّذين اقتسموا طرق مكّة يصدّون النّاس عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ويقرب عددهم من أربعين (١).
وقال مقاتل بن سليمان ـ رحمهالله ـ : كانوا ستّة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيّام الموسم ، فاقتسموا شعاب مكّة ، وطرقها يقولون لمن سلكها : لا تغتروا بالخارج منّا ، والمدعي للنبوّة ، فإنه مجنون ، وكانوا ينفّرون النّاس عنه بأنه ساحر ، أو كاهن ، أو شاعر ، فطائفة منهم تقول : ساحر ، وطائفة تقول : إنه كاهن ، وطائفة تقول : إنه شاعر ، فأنزل الله عزوجل بهم خزيا ؛ فماتوا أشدّ ميتة (٢).
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنهم اليهود ، والنصارى (جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) جزءوه أجزاء ، فآمنوا بما وافق التّوراة ، وكفروا بالباقي (٣).
وقال مجاهد : قسموا كتاب الله ـ تعالى ـ ففرقوه ، وبدلوه (٤).
وقيل : قسّموا القرآن ، وقال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم : كذب ، وقال بعضهم : أساطير الأوّلين.
وقيل : الاقتسام هو أنهم فرّقوا القول في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال بعضهم : شاعر ، وقال بعضهم : كاهن.
قوله (الَّذِينَ جَعَلُوا) فيه أوجه :
أظهرها : أنه نعت ل «المقتسمين».
الثاني : أنه بدل منه.
الثالث : أنه بيان.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٦٨).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٤٤) والبخاري (٨ / ٢٣٣) كتاب التفسير : باب قوله : الذين جعلوا القرآن عضين رقم (٤٧٠٥).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٩٨) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور والحاكم والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٤٤) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٥٨).