فقالوا : عضة ، كما قالوا : شفة ، والأصل : شفهة ، بدليل قولهم : شافهنا.
قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يحتمل أن يعود الضمير إلى المقتسمين ؛ لأنه الأقرب ، ويحتمل أن يعود إلى جميع المكلفين ، لأنّ ذكرهم تقدّم في قوله تعالى : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) أي : لجميع [الخلائق](١).
(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) قال القرطبي : في البخاري : قال عدّة من أهل العلم في قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢) عن لا إله إلا الله.
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وبين قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩].
فأجابوا بوجوه :
أولها : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لا يسألون سؤال استفهام ؛ لأنه تعالى عالم بكلّ أعمالهم ، بل سؤال تقريع ، فيقال لهم : لم فعلتم كذا؟ (٣).
وهذا ضعيف ؛ لأنه لو كان المراد من قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) [الرحمن : ٣٩] سؤال استفهام ، لما كان في تخصيص هذا النفي بقوله : «يومئذ» فائدة ؛ لأنّ مثل هذا السؤال على الله محال في كلّ الأوقات.
وثانيها : أنه يصرف النفي إلى بعض الأوقات ، والإثبات إلى وقت آخر ؛ لأنّ يوم القيامة ، يوم طويل ، وفيه مواقف يسألون في بعضها ، ولا يسألون في بعضها ، قاله عكرمة عن ابن عباس (٤) ونظيره قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) [المرسلات : ٣٥] ، وقال في آية أخرى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر : ٣١].
ولقائل أن يقول : قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ) الآية تصريح بأنه لا يحصل السؤال في ذلك اليوم ، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء اليوم ، لحصل التّناقض.
وثالثها : أن قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) تفيد الآية النّفي ، وفي قوله (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) يعود إلى المقتسمين ، وهذا خاص فيقدم على العام.
قوله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أصل الصّدع : الشّقّ ، صدعته فانصدع ، أي : شققته ، فانشقّ.
قال ابن السكّيت : الصّدع في اللغة : الشّقّ ، والفصل ؛ وأنشد لجرير : [البسيط]
٣٢٩٤ ـ هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم |
|
بالحقّ يصدع ما في قوله جنف (٥) |
__________________
(١) في أ : الخلق.
(٢) سقط من : ب.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨٥) والرازي (١٩ / ١٧٠).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨٦).
(٥) ينظر : الديوان ٣٩٠ ، اللسان والتاج «صدع» ، والمحتسب ١ / ١٤١ ، الرازي ١٩ / ٢١٩ ، شواهد المغني للبغدادي ٨ / ٣٦ ، الكشاف ١ / ٢٤٦ ، الضرائر لابن عصفور ٨٧ ، ٨٩.