قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٦)
قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الآية.
(نَحْنُ نَقُصُ) : مبتدأ وخبر ، والقاصّ : الذي يتتبّع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه ، قال تعالى : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [القصص : ١١] ، أي : اتّبعي أثره ، (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف : ٦٤] ، أي : اتّباعا ، وسميت الحكاية قصصا ؛ لأنّ الذي يقصّ الحديث ، يذكر تلك القصّة شيئا فشيئا ، كما يقال : تلا القرآن إذا قرأه ؛ لأنّه يتلو ، أي : يتبع ما حفظ منه آية بعد آية ، والمعنى : نبين لك أخبار الأمم السّالفة ، والقرون الماضية.
روى سعد بن أبي وقّاص ـ رضي الله عنه ـ قال : لمّا أن نزل القرآن على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو حدّثتنا ـ فأنزل الله ـ عزوجل ذكره (١) ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) فقالوا : يا رسول الله ، لو ذكرتنا ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٢) [الحديد : ١٦].
قوله (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) في انتصابه وجهان :
أحدهما : أن يكون منصوبا على المفعول به ، وذلك إذا جعلت القصص مصدرا واقعا موقع المفعول ، كالخلق بمعنى : المخلوق ، أو جعلته فعلا بمعنى : مفعول ، كالقبض ، والنّقض بمعنى : المقبوض ، والمنقوض ، أي : نقصّ عليك أحسن الأشياء المقتصة ، فيكون معنى قوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : لما فيه من العبرة ، والنّكتة ، والحكمة ، والعجائب التي ليست في غيرها.
__________________
(١) في أ : عزوجل ذكره (الله نزل أحسن الحديث) فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل الله عزوجل.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٨) وابن حبان (١٧٤٦ ـ موارد) والحاكم (٢ / ٣٤٥) وأبو يعلى (٢ / ٨٧ ـ ٨٨) رقم (٧٤٠) والواحدي في «أسباب النزول» ص (٢٠٣) من حديث سعد بن أبي وقاص.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وذكره الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (٣٦٥٢) وقال : حديث حسن ونسبه إلى ابن راهويه وأبي يعلى والبزار.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٥) وزاد نسبته إلى ابن راهويه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.